للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْبَاغِ، سِوَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ، وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِالرَّيَاحِينِ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّيَاحِينِ فِي نَفْسِهَا، فَمَا مُنِعَ الْمُحْرِمُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ، مُنِعَ لُبْسَ الْمَصْبُوغِ بِهِ، إذَا ظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا.

[مَسْأَلَة الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ شَعْره إلَّا مِنْ عُذْرٍ]

(٢٣٥٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَقْطَعُ شَعْرًا مِنْ رَأْسِهِ، وَلَا جَسَدِهِ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِ شَعْرِهِ، إلَّا مِنْ عُذْرٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] . وَرَوَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ قَالَ: «لَعَلَّك يُؤْذِيك هَوَامُّ رَأْسِك؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْلِقْ رَأْسَك، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ اُنْسُكْ شَاةً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا، وَشَعْرُ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

(٢٣٥٩) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ، مِنْ مَرَضٍ، أَوْ وَقَعَ فِي رَأْسِهِ قَمْلٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَضَرَّرُ بِإِبْقَاءِ الشَّعْرِ، فَلَهُ إزَالَتُهُ، لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: ١٩٦] . أَيْ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ، {أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: ١٩٦] . أَيْ قَمْلٌ. ثُمَّ يَنْظُرُ؛ فَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِهِ مِنْ نَفْسِ الشَّعْرِ، مِثْلَ أَنْ يَنْبُتَ فِي عَيْنِهِ، أَوْ طَالَ حَاجِبَاهُ فَغَطَّيَا عَيْنَيْهِ، فَلَهُ قَلْعُ مَا فِي الْعَيْنِ، وَقَطْعُ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ آذَاهُ، فَكَانَ لَهُ دَفْعُ أَذِيَّتِهِ بِغَيْرِ فِدْيَةٍ، كَالصَّيْدِ إذَا صَالَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَذَى مِنْ غَيْرِ الشَّعْرِ، لَكِنَّ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إزَالَةِ الْأَذَى إلَّا بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ، كَالْقَمْلِ وَالْقُرُوحِ بِرَأْسِهِ، أَوْ صُدَاعٍ بِرَأْسِهِ، أَوْ شِدَّةِ الْحَرِّ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ شَعْرِهِ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الشَّعْرَ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ غَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ أَكْلَ الصَّيْدِ لِلْمَخْمَصَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْقَمْلُ مِنْ ضَرَرِ الشَّعْرِ، وَالْحَرُّ سَبَبُهُ كَثْرَةُ الشَّعْرِ. قُلْنَا: لَيْسَ الْقَمْلُ مِنْ الشَّعْرِ، وَإِنَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ فِي الرَّأْسِ إلَّا بِهِ، فَهُوَ مَحَلٌّ لَهُ، لَا سَبَبٌ فِيهِ. وَكَذَلِكَ الْحَرُّ مِنْ الزَّمَانِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّعْرَ يُوجَدُ فِي زَمَنِ الْبَرْدِ، فَلَا يَتَأَذَّى بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَلَم أَظْفَارِهِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ]

(٢٣٦٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَقْطَعُ ظُفْرًا إلَّا أَنْ يَنْكَسِرَ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَلْمِ أَظْفَارِهِ، إلَّا مِنْ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الْأَظْفَارِ إزَالَةُ جُزْءٍ يَتَرَفَّهُ بِهِ، فَحُرِّمَ، كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ. فَإِنْ انْكَسَرَ، فَلَهُ إزَالَتُهُ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ تَلْزَمُهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُزِيلَ ظُفْرَهُ بِنَفْسِهِ إذَا انْكَسَرَ، وَلِأَنَّ مَا انْكَسَرَ يُؤْذِيهِ وَيُؤْلِمُهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>