قِيلَ: فَلَوْ امْتَنَعَتْ لَصِغَرٍ أَوْ مَرَضٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَتُهَا قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ امْتِنَاعَهَا لَمَرَضٍ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا، وَكَذَلِكَ الِامْتِنَاعُ لِلصِّغَرِ، وَهَا هُنَا الِامْتِنَاعُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، وَهُوَ مَنْعُهُ لِمَا وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِمْتَاعُ لِصِغَرِ الزَّوْجِ، فَإِنَّهُ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عَنْهُ، وَلَوْ تَعَذَّرَ لِصِغَرِهَا، لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا.
[فَصْلٌ سَافَرَتْ زَوْجَتُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ]
(٦٥٢٤) فَصْلٌ: إذَا سَافَرَتْ زَوْجَتُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا نَاشِزٌ وَكَذَلِكَ إنْ انْتَقَلَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِنْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ، فِي حَاجَتِهِ، فَهِيَ عَلَى نَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّهَا سَافَرَتْ فِي شُغْلِهِ وَمُرَادِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي حَاجَةِ نَفْسِهَا، سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ التَّمْكِينَ لَحَظِّ نَفْسِهَا، وَقَضَاءِ حَاجَتِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَنْظَرَتْهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مُدَّةً فَأَنْظَرَهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا مَعَهَا، مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِمْتَاعِهَا، فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُفَوِّتْ التَّمْكِينَ، فَأَشْبَهَتْ غَيْرَ الْمُسَافِرَةِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَسْقُطَ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا؛ لِأَنَّهَا مُسَافِرَةٌ بِإِذْنِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَافَرَتْ فِي حَاجَتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ سَفَرُهَا لِتِجَارَةٍ، أَوْ حَجِّ تَطَوُّعٍ، أَوْ زِيَارَةٍ وَلَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمُسَافِرَةِ وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِهِ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَهَا النَّفَقَةُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا كَالْمُسَافِرَةِ؛ لِأَنَّهَا بِإِحْرَامِهَا مَانِعَةٌ لَهُ مِنْ التَّمْكِينِ، فَهِيَ كَالْمُسَافِرَةِ لِحَاجَةِ نَفْسِهَا، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ الْوَاجِبِ، أَوْ الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ، فِي الْوَقْتِ الْوَاجِبِ، مِنْ الْمِيقَاتِ، فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا فَعَلَتْ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ فِي وَقْتِهِ، فَلَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا، كَمَا لَوْ صَامَتْ رَمَضَانَ وَإِنْ قَدَّمَتْ الْإِحْرَامَ عَلَى الْمِيقَاتِ، أَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ خُرِّجَ فِيهَا مِنْ الْقَوْلِ مَا فِي الْمُحْرِمَةِ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ عَلَيْهِ التَّمْكِينَ بِشَيْءٍ مُسْتَغْنًى عَنْهُ.
[فَصْلٌ صَامَتْ الزَّوْجَةُ رَمَضَانَ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا]
(٦٥٢٥) فَصْلٌ: فَإِنْ اعْتَكَفَتْ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَسَفَرِهَا، إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهِيَ نَاشِزٌ؛ لِخُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي: لَهَا النَّفَقَةُ وَإِنْ صَامَتْ رَمَضَانَ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مُضَيَّقٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، لَا يَمْلِكُ مَنْعَهَا مِنْهُ، فَلَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا، كَالصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَكُونُ صَائِمًا مَعَهَا، فَيَمْتَنِعُ الِاسْتِمْتَاعُ لِمَعْنًى وُجِدَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ قَبْضَتِهِ، وَلَمْ تَأْتِ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ تَفْطِيرُهَا وَوَطْؤُهَا، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهَا فَمَنَعَتْهُ، سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا بِامْتِنَاعِهَا مِنْ التَّمْكِينِ الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ صَوْمًا مَنْذُورًا مُعَلَّقًا بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ نَذْرُهَا قَبْلَ النِّكَاحِ، أَوْ كَانَ النَّذْرُ بِإِذْنِهِ، لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا بِحَقٍّ سَابِقٍ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute