مَاذَا عَلَى مُشْتَمِّ تُرْبَةِ أَحْمَدَ ... أَنْ لَا يَشَمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مُصِيبَةٌ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا
وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ النَّوْحِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَة؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: ١٢] . قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ النَّوْحُ.
«وَلَعَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ» . وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: «أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ. وَالصَّالِقَةُ: الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا. وَعَنْ ابْن مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ التَّظَلُّمَ وَالِاسْتِغَاثَةَ وَالسَّخَطَ بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: إنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ إذَا دَعَوْا بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، وَقَفَ مَلَكُ الْمَوْتِ فِي عَتَبَةِ الْبَابِ، وَقَالَ: إنْ كَانَتْ صَيْحَتُكُمْ عَلَيَّ فَإِنِّي مَأْمُورٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مَيِّتِكُمْ فَإِنَّهُ مَقْبُورٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى رَبِّكُمْ فَالْوَيْلُ لَكُمْ وَالثُّبُورُ، وَإِنَّ لِي فِيكُمْ عَوْدَاتٍ ثُمَّ عَوْدَاتٍ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا حَضَرْتُمْ الْمَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْرًا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» .
[فَصْل الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا يُنَاحُ عَلَيْهِ]
(١٦٥٨) فَصْلٌ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا يُنَاحُ عَلَيْهِ» . وَفِي لَفْظٍ: «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» . وَرَوَى ذَلِكَ عُمَرُ وَابْنُهُ، وَالْمُغِيرَةُ، وَهِيَ أَحَادِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَعْنَاهَا، فَحَمَلَهَا قَوْمٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا؛ وَقَالُوا: يَتَصَرَّفُ اللَّهُ فِي خَلْقِهِ بِمَا شَاءَ، وَأَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ فَيَقُولُ: وَاجَبَلَاهْ، وَاسَنَدَاهْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، إلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ يَلْهَزَانِهِ: أَهَكَذَا كُنْت؟» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي، وَتَقُولُ: وَا جَبَلَاهْ، وَا كَذَا وَا كَذَا. تُعَدِّدُ عَلَيْهِ. فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْت لِي شَيْئًا إلَّا قِيلَ لِي: أَنْتَ كَذَلِكَ؟ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute