للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ أَوْدَعَهُ الْبَهِيمَةَ وَقَالَ لَا تَعْلِفْهَا وَلَا تَسْقِهَا]

(٥٠٦٤) فَصْلٌ وَإِنْ أَوْدَعَهُ الْبَهِيمَةَ، وَقَالَ: لَا تَعْلِفْهَا، وَلَا تَسْقِهَا. لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْكُ عَلْفِهَا؛ لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ يَجِبُ إحْيَاؤُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ عَلَفَهَا وَسَقَاهَا، كَانَ كَالْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَلِفَتْ، لَمْ يَضْمَنْهَا. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَضْمَنُ لِأَنَّهُ تَعَدَّى بِتَرْكِ عَلْفِهَا، أَشْبَهَ مَا إذَا لَمْ يَنْهَهُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. فَيَصِيرُ أَمْرُ مَالِكِهَا وَسُكُوتُهُ سَوَاءً. وَلَنَا، أَنَّهُ مُمْتَثِلٌ لِأَمْرِ صَاحِبِهَا، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: اُقْتُلْهَا فَقَتَلَهَا، وَكَمَا لَوْ قَالَ: لَا تُخْرِجْ الْوَدِيعَةَ، وَإِنْ خِفْت عَلَيْهَا.

فَخَافَ عَلَيْهَا وَلَمْ يُخْرِجْهَا، أَوْ أَمَرَهُ صَاحِبُهَا بِإِلْقَائِهَا فِي نَارٍ أَوْ بَحْرٍ. وَبِهَذَا يُنْتَقَضُ مَا ذَكَرُوهُ. وَمَنَعَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا أَمَرَهُ بِإِتْلَافِهَا وَأَتْلَفَهَا؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ لِصَاحِبِهَا فَلَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا، كَمَا لَوْ اسْتَنَابَهُ فِي مُبَاحٍ، وَالتَّحْرِيمُ أَثَرُهُ فِي بَقَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ التَّأْثِيمُ، أَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَبْقَى مَعَ إذْنِهِ فِي تَفْوِيتِهِ، وَلِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ بِفِعْلِهِ، وَإِنَّمَا تَلِفَتْ بِتَرْكِ الْعَلْفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: لَا تُخْرِجْهَا إذَا خِفْت عَلَيْهَا. فَلَمْ يُخْرِجْهَا.

[مَسْأَلَةٌ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ فَادَّعَاهَا نَفْسَانِ]

(٥٠٦٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٌ، فَادَّعَاهَا نَفْسَانِ، فَقَالَ: أَوْدَعَنِي أَحَدُهُمَا وَلَا أَعْرِفُهُ عَيْنًا. أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ أَنَّهَا لَهُ، وَسُلِّمَتْ إلَيْهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، فَادَّعَاهَا نَفْسَانِ، فَأَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا، سُلِّمَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ دَلِيلُ مِلْكِهِ، فَلَوْ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. فَإِذَا أَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ، وَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِحَقِّهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ قِيمَتَهَا.

لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لِلثَّانِي بِهَا بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ، سُلِّمَتْ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا بِإِقْرَارِهِ، وَغَرِمَ قِيمَتَهَا لِلثَّانِي. نَصَّ عَلَى هَذَا أَحْمَدُ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا جَمِيعًا، فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْيَمِينُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِهَا. وَإِنْ قَالَ: هِيَ لِأَحَدِهِمَا لَا أَعْرِفُهُ عَيْنًا. فَاعْتَرَفَا لَهُ بِجَهْلِهِ، تَعَيَّنَ الْمُسْتَحِقُّ لَهَا، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. وَإِنْ ادَّعَيَا مَعْرِفَتَهُ، فَعَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ أَنَّهُ لَا يَعْلَمْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْلِفُ يَمِينَيْنِ، كَمَا لَوْ أَنْكَرَ أَنَّهَا لَهُمَا. وَلَنَا، أَنَّ الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ أَمْرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِعَيْنِ الْمَالِكِ، فَكَفَاهُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ ادَّعَيَاهَا فَأَقَرَّ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>