أَبْنِيَةِ الْوُقُوفِ وَأَنْقَاضِهَا. وَإِنْ كَانَتْ مِنْ تُرَابِ الْحَرَمِ وَحِجَارَتِهِ، انْبَنَى جَوَازُ بَيْعِهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي بَيْعِ رُبَاعِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَكَّةَ، وَهَكَذَا تُرَابُ كُلِّ وَقْفٍ وَأَنْقَاضُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَأَمَّا الْبِنَاءُ بِمَكَّةَ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ. قَالَ إِسْحَاقُ: الْبِنَاءُ بِمَكَّةَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْلَاصِ لِنَفْسِهِ، لَا يَحِلُّ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قِيلَ لَهُ: أَلَا تَبْنِي لَك بِمِنًى بَيْتًا؟ قَالَ: مِنًى مَنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ» .
[فَصْلٌ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ]
(٣١٧٧) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ رُخْصَةً. وَرَخَّصَ فِي شِرَائِهَا. وَقَالَ: الشِّرَاءُ أَهْوَنُ. وَكَرِهَ بَيْعَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَدِدْت أَنَّ الْأَيْدِي تُقْطَعُ فِي بَيْعِهَا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْمُصْحَفِ، مَعَ الْكَرَاهَةِ.
وَهَلْ يُكْرَهُ شِرَاؤُهُ وَإِبْدَالُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَرَخَّصَ فِي بَيْعِهَا الْحَسَنُ وَالْحَكَمُ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقَعُ عَلَى الْجِلْدِ، وَالْوَرَقِ، وَبَيْعُ ذَلِكَ مُبَاحٌ. وَلَنَا، قَوْلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْبَيْعِ وَالِابْتِذَالِ، وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَهُوَ أَسْهَلُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ لِلْمُصْحَفِ وَبَذْلٌ لِمَالِهِ فِيهِ، فَجَازَ، كَمَا أَجَازَ شِرَاءَ رُبَاعِ مَكَّةَ، وَاسْتِئْجَارَ دُورِهَا، مَنْ لَا يَرَى بَيْعَهَا، وَلَا أَخْذَ أُجْرَتِهَا. وَكَذَلِكَ أَرْضُ السَّوَادِ وَنَحْوُهَا. وَكَذَلِكَ دَفْعُ الْأُجْرَةِ إلَى الْحَجَّامِ، لَا يُكْرَهُ، مَعَ كَرَاهَةِ كَسْبِهِ.
وَإِنْ اشْتَرَى الْكَافِرُ مُصْحَفًا، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ. بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَجَازَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالُوا: يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشِّرَاءِ، وَالْمُصْحَفُ مَحَلٌّ لَهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ، فَمُنِعَ مِنْ ابْتِدَائِهِ، كَسَائِرِ مَا يَحْرُمُ بَيْعُهُ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُسَافَرَةِ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ. فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ التَّوَصُّلِ إلَى نَيْلِ أَيْدِيهِمْ إيَّاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute