الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ لِلْحَاجَةِ، أَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَهَا لِمَصْلَحَةٍ وَانْتِفَاعٍ، مِثْلَ أَنْ تُجْعَلَ عَلَى شَقٍّ أَوْ صَدْعٍ، وَإِنْ قَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ هَذَا بِشَرْطٍ، وَيَجُوزُ الْيَسِيرُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، إذَا لَمْ يُبَاشَرْ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَإِنَّمَا كَرِهَ أَحْمَدُ الْحَلْقَةَ وَنَحْوَهَا؛ لِأَنَّهَا تُبَاشَرُ بِالِاسْتِعْمَالِ. وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي ضَبَّةِ الْفِضَّةِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمَيْسَرَةُ، وَزَاذَانُ، وَطَاوُسٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ: قَدْ وَضَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَاهُ بَيْنَ ضَبَّتَيْنِ.، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَشْرَبُ مِنْ قَدَحٍ فِيهِ حَلْقَةُ فِضَّةٍ وَلَا ضَبَّةٌ مِنْهَا وَكَرِهَ الشُّرْبَ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَعَطَاءٌ، وَسَالِمٌ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ وَنَهَتْ عَائِشَةُ أَنْ يُضَبِّبَ الْآنِيَةَ، أَوْ يُحَلِّقَهَا بِالْفِضَّةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ كَرِهُوا مَا قُصِدَ بِهِ الزِّينَةُ، أَوْ كَانَ كَثِيرًا، أَوْ يُسْتَعْمَلُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ وَقَوْلُ الْأَوَّلِينَ وَاحِدًا، وَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، فَأَمَّا الْيَسِيرُ: كَتَشْعِيبِ الْقَدَحِ وَنَحْوِهِ، فَلَا بَأْسَ؛ وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ قَدَحٌ فِيهِ سِلْسِلَةٌ مِنْ فِضَّةٍ شُعِّبَ بِهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَسِيرٌ مِنْ الْفِضَّةِ، فَأَشْبَهَ الْخَاتَمَ. وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَنْ يُبَاشِرَ مَوْضِعَ الضَّبَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، فَلَا يَشْرَبُ مِنْ مَوْضِعِ الضَّبَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالشَّارِبِ مِنْ إنَاءِ فِضَّةٍ، وَكَرِهَ الْحَلْقَةَ مِنْ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ الْقَدَحَ يُرْفَعُ بِهَا، فَيُبَاشِرُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ.
[فَصْلٌ اسْتِعْمَالُ قَبِيعَةِ السَّيْفِ مِنْ فِضَّةٍ]
(٧٣٧١) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِقَبِيعَةِ السَّيْفِ مِنْ فِضَّةٍ لِمَا رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: «كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِضَّةً.» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ مُحَلًّى بِالْفِضَّةِ، أَنَا رَأَيْتُهُ. وَلَا بَأْسَ بِالْخَاتَمِ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ، ثُمَّ لَبِسَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، حَتَّى سَقَطَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَقَالَ سَعِيدٌ: الْبَسْ الْخَاتَمَ، وَأَخْبِرْ أَنِّي أَفْتَيْتُك بِذَلِكَ. فَقَدْ رَوَى أَبُو رَيْحَانَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ عَشْرَ خِلَالٍ، وَفِيهَا الْخَاتَمُ، إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ، قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا هَذَا يَرْوِيهِ أَهْلُ الشَّامِ. وَحُدِّثَ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ أَبِي رَيْحَانَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْخَاتَمَ: تَبَسَّمَ كَالْمُتَعَجِّبِ، ثُمَّ قَالَ: أَهْلُ الشَّامِ.
وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ صَحَّتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَفَاضَتْ بِإِبَاحَتِهِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute