للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهُ مَلْبُوسُ حَيَوَانٍ، فَلَا يُحَرَّقُ، كَثِيَابِ الْغَالِّ. وَلَا تُحَرَّقُ ثِيَابُ الْغَالِّ الَّتِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عُرْيَانًا، وَلَا مَا غَلَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَنِيمَةِ الْمُسْلِمِينَ. قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَاَلَّذِي أَصَابَ فِي الْغُلُولِ، أَيَّ شَيْءٍ يُصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: يُرْفَعُ إلَى الْمَغْنَمِ.

وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَلَا سِلَاحُهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْقِتَالِ، وَلَا نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحَرَّقُ عَادَةً، وَجَمِيعُ ذَلِكَ، أَوْ مَا أَبْقَتْ النَّارُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُزِيلُهُ، وَإِنَّمَا عُوقِبَ بِإِحْرَاقِ مَتَاعِهِ، فَمَا لَمْ يَحْتَرِقْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاعَ الْمُصْحَفُ، وَيُتَصَدَّقَ بِهِ؛ لِقَوْلِ سَالِمٍ فِيهِ.

وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَوْ الْعِلْمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُحَرَّقَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ يَعُودُ إلَى الدِّينِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الْإِضْرَارَ بِهِ فِي دِينِهِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ الْإِضْرَارُ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُنْيَاهُ.

[فَصْلٌ لَمْ يُحَرَّقْ رَحْلُهُ حَتَّى اسْتَحْدَثَ مَتَاعًا آخَرَ الْغَنِيمَة]

(٧٦٠٤) فَصْلٌ: وَإِنْ لَمْ يُحَرَّقْ رَحْلُهُ حَتَّى اسْتَحْدَثَ مَتَاعًا آخَرَ، أَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ، أُحْرِقَ مَا كَانَ مَعَهُ حَالِ الْغُلُولِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الَّذِي يَرْجِعُ إلَى بَلَدِهِ. قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُحَرَّقَ مَا كَانَ مَعَهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إحْرَاقِ رَحْلِهِ، لَمْ يُحَرَّقْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ، فَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، كَالْحُدُودِ، لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ، فَإِحْرَاقُهُ عُقُوبَةٌ لِغَيْرِ الْجَانِي.

وَإِنْ بَاعَ مَتَاعَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يُحَرَّقَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لِغَيْرِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ انْتَقَلَ عَنْهُ بِالْمَوْتِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يُنْقَضَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَيُحَرَّقَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ سَابِقٌ عَلَى الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ، كَالْقِصَاصِ فِي حَقِّ الْجَانِي.

[فَصْلٌ عَدَم إحْرَاق مَتَاع الْغَالُّ فِي الْغَنِيمَةِ]

(٧٦٠٥) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ الْغَالُّ صَبِيًّا، لَمْ يُحَرَّقْ مَتَاعُهُ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَاقَ عُقُوبَةٌ. وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، فَأَشْبَهَ الْحَدَّ. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، لَمْ يُحَرَّقْ مَتَاعُهُ؛ لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهِ، فَلَا يُعَاقَبُ سَيِّدُهُ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ. وَإِنْ اسْتَهْلَكَ مَا غَلَّهُ، فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنَايَتِهِ. وَإِنْ غَلَّتْ امْرَأَةٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أُحْرِقَ مَتَاعُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ، وَلِذَلِكَ يُقْطَعَانِ فِي السَّرِقَةِ، وَيُحَدَّانِ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ. وَإِنْ أَنْكَرَ الْغُلُولَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ ابْتَاعَ مَا بِيَدِهِ، لَمْ يُحَرَّقْ مَتَاعُهُ، حَتَّى يَثْبُتَ غُلُولُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ بِهِ، فَلَا يَجِبُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ بِذَلِكَ، كَالْحَدِّ، وَلَا يُقْبَلُ فِي بَيِّنَتِهِ إلَّا عَدْلَانِ؛ لِذَلِكَ.

(٧٦٠٦) فَصْلٌ: وَلَا يُحْرَمُ الْغَالُّ سَهْمَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يُحْرَمُ سَهْمَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: يُحْرَمُ سَهْمَهُ. فَإِنْ صَحَّ، فَالْحُكْمُ لَهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، فِي الصَّبِيِّ يَغُلُّ: يُحْرَمُ سَهْمَهُ، وَلَا يُحَرَّقُ مَتَاعُهُ. وَلَنَا، أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ مَوْجُودٌ، فَيَسْتَحِقَّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَمْ يَثْبُتْ حِرْمَانُ سَهْمِهِ فِي خَبَرٍ، وَلَا قِيَاسٍ، فَيَبْقَى بِحَالِهِ، وَلَا يُحَرَّقُ سَهْمُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَحْلِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>