امْتِنَاعِهِمَا، ضَمِنَ، وَضَمِنَ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْر الْمُمْتَنِع. وَكَذَا لَوْ تَرَكَهُ الْعَدْلُ عِنْدَ آخَرَ مَعَ وُجُودِهِمَا، ضَمِنَ، وَضَمِنَ الْقَابِضُ.
وَإِنْ امْتَنَعَا، وَلَمْ يَجِدْ حَاكِمَا، فَتَرَكَهُ عِنْدَ عَدْلٍ آخَرَ، لَمْ يَضْمَنْ. وَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ دَفْعُهُ إلَى الْآخَرِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا يُمْسِكُهُ لِنَفْسِهِ، وَالْعَدْلُ يُمْسِكُهُ لَهُمَا، هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ حَاضِرَيْنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَا غَائِبِينَ، نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ لِلْعَدْلِ عُذْرٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ، رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ، فَقَبَضَهُ مِنْهُ، أَوْ نَصَبَ لَهُ عَدْلًا يَقْبِضُهُ لَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، أَوْدَعَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُهُ إلَى ثِقَةٍ يُودِعُهُ عِنْدَهُ، مَعَ وُجُودِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ، وَكَانَتْ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، قَبَضَهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، دَفَعَهُ إلَى عَدْلٍ. وَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ. وَإِنْ كَانَا أَحَدُهُمَا حَاضِرًا وَالْآخَرُ غَائِبًا، فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْغَائِبَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُهُ إلَى الْحَاضِرِ مِنْهُمَا. وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، مَتَى دَفَعَهُ إلَى أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ رَدَّهُ إلَى يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ حَقِّ الْآخَرِ.
[فَصْلٌ كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْ عَدْل وَشَرَطَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عِنْدَ حُلُول الْحَقِّ]
(٣٣١٨) فَصْلٌ: إذَا كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، وَشَرَطَا لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ عِنْدَ حُلُولِ الْحَقِّ، صَحَّ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فَإِنْ عَزَلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ عَنْ الْبَيْعِ، صَحَّ عَزْلُهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ الْبَيْعَ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ صَارَتْ مِنْ حُقُوقِ الرَّهْنِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ إسْقَاطُهُ، كَسَائِرِ حُقُوقِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَيَتَوَجَّهُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ قَدْ مَنَعَ الْحِيلَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِهِ، وَهَذَا يَفْتَحُ بَابَ الْحِيلَةِ لِلرَّاهِنِ، فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ، لِيُجِيبَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ يَعْزِلَهُ
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ الْمَقَامُ عَلَيْهَا، كَسَائِرِ الْوَكَالَاتِ، وَكَوْنُهُ مِنْ حُقُوقِ الرَّاهِنِ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَا الرَّهْنَ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ لَازِمًا، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ بَعْدَ الْإِذْنِ، انْفَسَخَتْ الْوَكَالَةُ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَتَى عَزَلَهُ عَنْ الْبَيْعِ، فَلِلْمُرْتَهِنِ فَسْخُ الْبَيْعِ الَّذِي حَصَلَ الرَّهْنُ بِثَمَنِهِ، كَمَا لَوْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ، فَأَمَّا إنْ عَزَلَهُ الْمُرْتَهِنُ، فَلَا يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ وَكِيلُ الرَّاهِنِ، إذْ الرَّهْنُ مِلْكُهُ، وَلَوْ انْفَرَدَ بِتَوْكِيلِهِ صَحَّ، فَلَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِ غَيْرِهِ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَهَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْزِلَاهُ، فَحَلَّ الْحَقُّ، لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ الْمُرْتَهِنَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِحَقِّهِ، فَلَمْ يَجُزْ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ إذْنٍ مِنْ الرَّاهِنِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ وُجِدَ مَرَّةً، فَيَكْفِي، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي قَضَاءِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِهِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ فَإِنَّ الْإِذْنَ كَافٍ مَا لَمْ يُغَيَّرْ، وَالْغَرَضُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute