الْجَزَاءَ يَشُقُّ إخْرَاجُهُ، فَيُمْنَعُ إيجَابُهُ، وَلِهَذَا عَدَلَ الشَّارِعُ عَنْ إيجَابِ جُزْءٍ مِنْ بَعِيرٍ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ إلَى إيجَابِ شَاةٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْإِبِلِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ هَاهُنَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ؛ لِوُجُودِ الْخِيَرَةِ لَهُ فِي الْعُدُولِ عَنْ الْمِثْلِ إلَى عَدْلِهِ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الصِّيَامِ، فَيَنْتَفِي الْمَانِعُ فَيَثْبُتُ مُقْتَضَى الْأَصْلِ.
وَهَذَا إذَا انْدَمَلَ الصَّيْدُ مُمْتَنِعًا، فَإِنْ انْدَمَلَ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، ضَمِنَهُ جَمِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَهُ، فَصَارَ كَالتَّالِفِ، وَلِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى تَلَفِهِ، فَصَارَ كَالْجَارِحِ لَهُ جُرْحًا يَتَيَقَّنُ بِهِ مَوْتُهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمَا نَقَصَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَتْلَفْ، وَلَمْ يَتْلَفْ جَمِيعُهُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ. وَمِنْ أَصْلِنَا أَنَّ عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ جَزَاءً وَاحِدًا، وَضَمَانُهُ بِجَزَاءٍ كَامِلٍ يُفْضِي إلَى إيجَابِ جَزَاءَيْنِ.
وَإِنْ غَابَ غَيْرَ مُنْدَمِلٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ، وَالْجِرَاحَةُ مُوجِبَةٌ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ جَمِيعِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ، وَلَا يَضْمَنُ جَمِيعَهُ؛ لِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ حُصُولَ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ، كَمَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَوْقَع بِهِ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا، وَلَمْ يَعْلَمْ أَمَاتَ مِنْ الْجِنَايَةِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ضَمَانُهُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ إتْلَافِهِ مِنْهُ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ، فَوَجَبَ إحَالَتُهُ عَلَى السَّبَبِ الْمَعْلُومِ، كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ، فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا تَغَيُّرًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا، فَإِنَّنَا نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى صَيْدًا، فَغَابَ عَنْ عَيْنِهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ غَيْرُ سَهْمِهِ، حَلَّ أَكْلُهُ.
وَإِنْ صَيَّرَتْهُ الْجِنَايَةُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَصَارَ مُمْتَنِعًا أَمْ لَا، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِامْتِنَاعِ.
[فَصْل جَرَحَ الْمُحْرِم صَيْدًا فَتَحَامَلَ فَوَقَعَ فِي شَيْءٍ تَلِفَ بِهِ]
(٢٦٧٤) فَصْلٌ: وَإِنْ جَرَحَ صَيْدًا، فَتَحَامَلَ، فَوَقَعَ فِي شَيْءٍ تَلِفَ بِهِ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِهِ. وَكَذَلِكَ إنْ نَفَّرَهُ، فَتَلِفَ فِي حَالِ نُفُورِهِ، ضَمِنَهُ. فَإِنْ سَكَنَ فِي مَكَان، وَأَمِنَ مِنْ نُفُورِهِ، ثُمَّ تَلِفَ، لَمْ يَضْمَنْهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهًا آخَرَ، أَنْ يَضْمَنَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ؛ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ "، عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَلَى وَاقِفٍ فِي الْبَيْتِ، فَوَقَعَ عَلَيْهِ طَيْرٌ مِنْ هَذَا الْحَمَامِ، فَأَطَارَهُ، فَوَقَعَ عَلَى وَاقِفٍ، فَانْتَهَزَتْهُ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ، فَقَالَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ: إنِّي وَجَدْت فِي نَفْسِي أَنِّي أَطَرْته مِنْ مَنْزِلٍ كَانَ فِيهِ آمِنًا إلَى مَوْقِعَةٍ كَانَ فِيهَا حَتْفُهُ. فَقَالَ نَافِعٌ لِعُثْمَانَ: كَيْفَ تَرَى، فِي عَنْزٍ ثَنِيَّةٍ عَفْرَاءَ، يُحْكَمُ بِهَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: أَرَى ذَلِكَ. فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
[فَصْل كُلُّ مَا يَضْمَنُ بِهِ الْآدَمِيَّ يَضْمَنُ بِهِ الصَّيْدَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ بِسَبَبِ]
(٢٦٧٥) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَا يَضْمَنُ بِهِ الْآدَمِيَّ، يَضْمَنُ بِهِ الصَّيْدَ، مِنْ مُبَاشَرَةٍ، أَوْ بِسَبَبٍ، وَمَا جَنَتْ عَلَيْهِ دَابَّتُهُ بِيَدِهَا أَوْ فَمِهَا مِنْ الصَّيْدِ، فَالضَّمَانُ عَلَى رَاكِبِهَا، أَوْ قَائِدِهَا، أَوْ سَائِقِهَا، وَمَا جَنَتْ بِرِجْلِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حِفْظُ رِجْلِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ السَّائِقُ جَمِيعَ جِنَايَتِهَا؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَيُشَاهِدُ رِجْلَهَا. وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute