بِخِلَافِ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ فِيهِمَا، فَإِنَّ خُلُوَّ الْمَرْأَةِ مِنْ ضَرَّةٍ تُغِيرُهَا، وَتُقَاسِمُهَا، وَتُضَيَّقُ عَلَيْهَا، مِنْ أَكْبَرِ أَغْرَاضِهَا، وَكَذَلِكَ إقْرَارُهَا فِي دَارِهَا بَيْنَ أَهْلِهَا وَفِي وَطَنِهَا، فَلِذَلِكَ خَفَّفَتْ صَدَاقَهَا لِتَحْصِيلِ غَرَضِهَا، وَثَقَّلَتْهُ عِنْد فَوَاتِهِ. فَعَلَى هَذَا يَمْتَنِعُ قِيَاسُ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَلَا يَكُونُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ إلَّا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الصِّحَّةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ، وَالْبُطْلَانُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَمَا جَاءَ مِنْ الْمَسَائِلِ أُلْحِقَ بِأَشْبَهِهِمَا بِهِ.
[فَصْلٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى طَلَاقِ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى]
(٥٦٤٣) فَصْلٌ: وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى طَلَاقِ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى، لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَالٍ. وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢٤] وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتُكْفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا، وَلِتُنْكَحَ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا.» صَحِيحٌ.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً بِطَلَاقِ أُخْرَى.» وَلِأَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا فِي بَيْعٍ، وَلَا أَجْرًا فِي إجَارَةٍ، فَلَمْ يَصِحَّ صَدَاقًا، كَالْمَنَافِعِ الْمُحَرَّمَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَا لَوْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا وَنَحْوَهُ، يَكُونُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ نِصْفُهُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ الْمُتْعَةِ عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهَا فِي التَّسْمِيَةِ الْفَاسِدَةِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِعْلًا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ وَفَائِدَةٌ، لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الرَّاحَةِ بِطَلَاقِهَا مِنْ مُقَاسَمَتِهَا، وَضَرَرِهَا، وَالْغَيْرَةِ مِنْهَا، فَصَحَّ صَدَاقًا، كَعِتْقِ أَبِيهَا، وَخِيَاطَةِ قَمِيصِهَا، وَلِهَذَا صَحَّ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي طَلَاقِهَا بِالْخُلْعِ. فَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يُطَلِّقْ ضَرَّتَهَا، فَلَهَا مِثْلُ صَدَاقِ الضَّرَّةِ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ، فَكَانَ لَهَا قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا، فَخَرَجَ حُرًّا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا قِيمَةَ لَهُ.
وَإِنْ جَعَلَ صَدَاقَهَا أَنَّ طَلَاقَ ضَرَّتِهَا إلَيْهَا إلَى سَنَةٍ، فَلَمْ تُطَلِّقْهَا، فَقَالَ أَحْمَدُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَجَعَلَ طَلَاقَ الْأُولَى مَهْرَ الْأُخْرَى إلَى سَنَةٍ أَوْ إلَى وَقْتٍ، فَجَاءَ الْوَقْتُ وَلَمْ تَقْضِ شَيْئًا، رَجَعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ. فَقَدْ أَسْقَطَ أَحْمَدُ حَقَّهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لَهَا إلَى وَقْتٍ، فَإِذَا مَضَى الْوَقْتُ وَلَمْ تَقْضِ فِيهِ شَيْئًا، بَطَلَ تَصَرُّفُهَا كَالْوَكِيلِ، وَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْمَهْرِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، ذَكَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ؛ أَحَدُهُمَا، يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهَا تَرَكَتْ مَا شَرَطَ لَهَا بِاخْتِيَارِهَا، فَسَقَطَ حَقُّهَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ فَأَعْتَقَتْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute