بِتَصَرُّفِ وَكِيلِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَبْلَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْضُ حُكْمِهِ فِيمَا لَا يُنْقَضُ بِهِ حُكْمُ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْحَاكِمِ نَقْضُهُ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ فِي حَقِّ الْحَاكِمِ، فَمَلَكَ فَسْخَهُ، كَالْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ فِي حَقِّهِ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا حُكْمٌ صَحِيحٌ لَازِمٌ، فَلَمْ يَجُزْ فَسْخُهُ لِمُخَالَفَتِهِ رَأْيَهُ، كَحُكْمِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ، وَمَا ذَكَرُوهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ حُكْمَهُ لَازِمٌ لِلْخَصْمَيْنِ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَوْقُوفًا؟ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَمَلَكَ فَسْخَهُ، وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ رَأْيَهُ، وَلَا نُسَلِّمُ الْوُقُوفَ فِي الْعُقُودِ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ الرُّجُوعَ عَنْ تَحْكِيمِهِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرِضَاهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَجَعَ عَنْ التَّوْكِيلِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ. وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ شُرُوعِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَتِمَّ، أَشْبَهَ قَبْلَ الشُّرُوعِ. وَالثَّانِي، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا رَأَى مِنْ الْحُكْمِ مَا لَا يُوَافِقُهُ، رَجَعَ، فَيَبْطُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ.
(٨٢٩٨) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: وَيَنْفُذُ حُكْمُ مَنْ حَكَّمَاهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ؛ النِّكَاحُ، وَاللِّعَانُ، وَالْقَذْفُ، وَالْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا، فَاخْتَصَّ الْإِمَامُ بِالنَّظَرِ فِيهَا، وَنَائِبُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهَا.
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ.
وَإِذَا كَتَبَ هَذَا الْقَاضِي بِمَا حَكَمَ بِهِ كِتَابًا إلَى قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ، لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَتَنْفِيذُ كِتَابِهِ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ نَافِذُ الْأَحْكَامِ، فَلَزِمَ قَبُولُ كِتَابِهِ، كَحَاكِمِ الْإِمَامِ.
[مَسْأَلَةٌ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ]
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَيَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ، إذَا صَحَّ الْحَقُّ عَلَيْهِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا عَلَى غَائِبٍ فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَطَلَبَ مِنْ الْحَاكِمِ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ، وَالْحُكْمَ بِهَا عَلَيْهِ، فَعَلَى الْحَاكِمِ إجَابَتُهُ، إذَا كَمُلَتْ الشَّرَائِطُ.
وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةُ وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَسَوَّارٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَكَانَ شُرَيْحٌ لَا يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ. وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ.
وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْقَاسِمِ، وَالشَّعْبِيِّ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إذَا كَانَ لَهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ، مِنْ وَكِيلٍ أَوْ شَفِيعٍ، جَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: «إذَا تَقَاضَى إلَيْك رَجُلَانِ،