امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي، فَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجْت بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّمَا لَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ، فَقَالَ: تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» . وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُ مُدَّةً. وَلَنَا، مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَّلَ الْعِنِّينَ سَنَةً. وَرَوَى ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ. وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ عَنْ عَلِيٍّ وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ، كَالْجَبِّ فِي الرَّجُلِ، وَالرَّتْقِ فِي الْمَرْأَةِ، فَأَمَّا الْخَبَرُ، فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّ الْمُدَّةَ إنَّمَا تُضْرَبُ لَهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ، وَطَلَبِ الْمَرْأَةِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الرَّجُلَ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: إنِّي لِأَعْرُكَهَا عَرْكَ الْأَدِيمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ طَلَاقِهِ، فَلَا مَعْنَى لِضَرْبِ الْمُدَّةِ. وَصَحَّحَ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ) . وَلَوْ كَانَ قَبْلَ طَلَاقِهِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَيْهَا. وَقِيلَ: إنَّهَا ذَكَرَتْ ضَعْفَهُ، وَشَبَّهَتْهُ بِهُدْبَةِ الثَّوْبِ مُبَالَغَةً، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ) وَالْعَاجِزُ عَنْ الْوَطْءِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ ذَلِكَ.
[مَسْأَلَة ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا عِنِّينٌ لَا يَصِلُ إلَيْهَا]
(٥٥٣٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا عِنِّينٌ لَا يَصِلُ إلَيْهَا، أُجِّلَ سَنَةً مُنْذُ تَرَافُعِهِ، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا فِيهَا، خُيِّرَتْ فِي الْمُقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهِ، فَإِنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا بِلَا طَلَاقٍ. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ عَجْزَ زَوْجِهَا عَنْ وَطْئِهَا لِعُنَّةٍ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَنْكَرَ وَالْمَرْأَةُ عَذْرَاءُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ
وَقَالَ الْقَاضِي: هَلْ يَسْتَحْلِف أَوْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الطَّلَاقِ. فَإِنْ أَقَرَّ بِالْعَجْزِ، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ، أَوْ أَنْكَرَ وَطَلَبَتْ يَمِينَهُ فَنَكِلَ، ثَبَتَ عَجْزُهُ، وَيُؤَجَّلُ سَنَةً. فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّهُ أَجَّلَ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ. وَلَنَا قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْعَجْزَ قَدْ يَكُونُ لِعُنَّةٍ، وَقَدْ يَكُونُ لِمَرَضِ، فَضُرِبَتْ لَهُ سَنَةً لِتَمُرَّ بِهِ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ يُبْسٍ زَالَ فِي فَصْلِ الرُّطُوبَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رُطُوبَةٍ زَالَ فِي فَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute