للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا، تَوَارَثَا، فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا أَسْلَمَا، وَقَدْ نَكَحَهَا فِي الْعِدَّةِ أُقِرَّا عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ أَسْلَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، أُقِرَّا، وَإِنْ أَسْلَمَا قَبْلُ لَمْ يُقَرَّا

فَعَلَى هَذَا إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، لَمْ يَتَوَارَثَا، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ، تَوَارَثَا. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَتَأَوَّلَ الْقَاضِي رِوَايَةَ أَحْمَدَ، عَلَى مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ حُبْلَى مِنْ زَوْجٍ، أَوْ زِنًا، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الزِّنَى مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَامِلِ مِنْ زَوْجٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، فِي الْحَامِلِ مِنْ زَوْجٍ: لَا يَتَوَارَثَانِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا: يَتَوَارَثَانِ

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَزُفَرُ، وَاللُّؤْلُؤِيُّ: لَا يَتَوَارَثَانِ. وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الْمِيرَاثِ الِاخْتِلَافُ فِيمَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَا، أَوْ تَحَاكَمَا إلَيْنَا، وَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ مِيرَاث الْقَرَابَة]

(٤٩٦٠) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْقَرَابَةُ فَيَرِثُونَ بِجَمِيعِهَا، إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدٍ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ. وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُد، وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ اللَّبَّانِ.

وَعَنْ زَيْدٍ، أَنَّهُ وَرَّثَهُ بِأَقْوَى الْقَرَابَتَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَحَمَّادٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَكْحُولٍ، وَالشَّعْبِيِّ، الْقَوْلَانِ جَمِيعًا، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ، لَا يُورَثُ بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ، فَلَا يُورَثُ بِهِمَا فِي غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى. وَلَنَا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ أُخْتًا، وَجَبَ إعْطَاؤُهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا فِي الْآيَتَيْنِ، كَالشَّخْصَيْنِ.

وَلِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ، تَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً، لَا تَحْجُبُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَلَا تُرَجَّحُ بِهَا، فَتَرِثُ بِهِمَا، مُجْتَمِعَيْنِ، كَزَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ، أَوْ ابْنُ عَمٍّ هُوَ أَخٌ مِنْ أُمٍّ، وَكَذَوِي الْأَرْحَامِ الْمُدْلِينَ بِقَرَابَتَيْنِ. وَقِيَاسُهُمْ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَتَيْنِ فِي الْأَصْلِ تُسْقِطُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى إذَا كَانَتَا فِي شَخْصَيْنِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتَا فِي شَخْصٍ. وَقَوْلُهُمْ: لَا يُورَثُ بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ. مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَرِثَ بِهِمَا، ثُمَّ إنَّ امْتِنَاعَ الْإِرْثِ بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ لِعَدَمِ وُجُودِهِمَا، وَلَوْ تُصُوِّرَ وُجُودُهُمَا لَوُرِثَ بِهِمَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدْ وُرِثَ بِنَظِيرِهِمَا فِي ابْنِ عَمٍّ هُوَ زَوْجٌ، أَوْ أَخٌ مِنْ أُمٍّ

قَالَ ابْنُ اللَّبَّانِ: وَاعْتِبَارُهُمْ عِنْدِي فَاسِدٌ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْجَدَّةَ تَكُونُ أُخْتًا لِأَبٍ، فَإِنْ وَرَّثُوهَا بِكَوْنِهَا جَدَّةً، لِكَوْنِ الِابْنِ يُسْقِطُ الْأُخْتَ دُونَهَا، لَزِمَهُمْ تَوْرِيثُهَا، بِكَوْنِهَا أُخْتًا، لِكَوْنِ الْأُمِّ تُسْقِطُ الْجَدَّةَ دُونَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>