قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْحُرِّيَّةَ، وَإِدْرَاكَ سِنٍّ يُجَامِعُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِهِ شُرُوطٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى قَاذِفِهِ، فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهَا، لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ وَلَكِنْ يَجِبُ تَأْدِيبُهُ، رَدْعًا لَهُ عَنْ أَعْرَاضِ الْمَعْصُومِينَ، وَكَفًّا لَهُ عَنْ أَذَاهُمْ، وَحَدُّ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ، أَنْ يَبْلُغَ الْغُلَامُ عَشْرًا، وَالْجَارِيَةُ تِسْعًا، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْقَاذِفُ وَالْمَقْذُوفُ]
(٧٢٣٤) فَصْلٌ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَاذِفُ وَالْمَقْذُوفُ، فَقَالَ الْقَاذِفُ: كُنْت صَغِيرًا حِينَ قَذَفْتُك. وَقَالَ الْمَقْذُوفُ: كُنْت كَبِيرًا. فَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرُ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْحَدِّ. فَإِنْ أَقَامَ الْقَاذِفُ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَذَفَهُ صَغِيرًا، وَأَقَامَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً أَنَّهُ قَذَفَهُ كَبِيرًا، وَكَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ، أَوْ مُؤَرَّخَتَيْنِ تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَهُمَا قَذْفَانِ؛ مُوجَبُ أَحَدِهِمَا التَّعْزِيرُ، وَالثَّانِي الْحَدُّ، وَإِنْ بَيَّنَتَا تَارِيخًا وَاحِدًا، وَقَالَتْ إحْدَاهُمَا: وَهُوَ صَغِيرٌ. وَقَالَتْ الْأُخْرَى: وَهُوَ كَبِيرٌ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ تَارِيخُ بَيِّنَةِ الْمَقْذُوفِ قَبْلَ تَارِيخِ بَيِّنَةِ الْقَاذِفِ.
[مَسْأَلَةٌ قَذَفَ مَنْ كَانَ مُشْرِكًا]
(٧٢٣٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ قَذَفَ مَنْ كَانَ مُشْرِكًا، وَقَالَ: أَرَدْت أَنَّهُ زَنَى وَهُوَ مُشْرِكٌ. لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ، وَحُدَّ الْقَاذِفُ، إذَا طَلَبَ الْمَقْذُوفُ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ عَبْدًا) . إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا مُحْصَنًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَوُجُودِ الْمَعْنَى، فَإِذَا ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهُ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، كَمَا لَوْ قَذَفَ كَبِيرًا، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت أَنَّهُ زَنَى وَهُوَ صَغِيرٌ، فَأَمَّا إنْ قَالَ لَهُ: زَنَيْت فِي شِرْكِك. فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى. وَعَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ يُحَدُّ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ وُجِدَ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُحْصَنًا. وَلَنَا أَنَّهُ أَضَافَ الْقَذْفَ إلَى حَالٍ نَاقِصَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَذَفَهُ فِي حَالِ الشِّرْكِ؛ وَلِأَنَّهُ قَذَفَهُ بِمَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَذَفَهُ بِالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَذَفَ مَنْ كَانَ رَقِيقًا، فَقَالَ: زَنَيْت فِي حَالِ رِقِّك. أَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتَ طِفْلٌ. وَإِنْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنْتَ صَبِيٌّ أَوْ صَغِيرٌ. سُئِلَ عَنْ الصِّغَرِ، فَإِنْ فَسَّرَهُ بِصِغَرٍ لَا يُجَامِعُ فِي مِثْلِهِ، فَهِيَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ فَسَّرَهُ بِصِغَرٍ يُجَامِعُ فِي مِثْلِهِ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: زَنَيْت إذْ كُنْت مُشْرِكًا. أَوْ: إذْ كُنْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute