للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَوَاءٌ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ، أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَالْهِبَةِ وَالِاغْتِنَامِ وَالْوَصِيَّةِ، وَسَوَاءٌ، مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ، كَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ، أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، كَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَعْتِقُ بِهِ الْكُلُّ يَعْتِقُ بِهِ الْبَعْضُ، كَالْإِعْتَاقِ بِالْقَوْلِ، ثُمَّ يُنْظَرُ؛ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا، لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ، وَاسْتَقَرَّ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَرَقَّ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ بِقَوْلِهِ، لَمْ يَسْرِ إعْتَاقُهُ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْعِتْقِ وَقَصْدِهِ إيَّاهُ، فَهَاهُنَا أَوْلَى.

وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا، وَكَانَ الْمِلْكُ بِاخْتِيَارِهِ، كَالْمِلْكِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ، سَرَى إلَى بَاقِيه، فَيَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ، وَلَزِمَهُ لِشَرِيكِهِ قِيمَةُ بَاقِيه لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا مَا مَلَكَ، سَوَاءٌ مَلَكَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَعْتِقْهُ، وَإِنَّمَا عَتَقَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ، فَلَمْ يَسْرِ، كَمَا لَوْ مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ، وَفَارَقَ مَا أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ، قَاصِدًا إلَيْهِ.

وَلَنَا أَنَّهُ فَعَلَ سَبَبَ الْعِتْقِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَقَصْدًا إلَيْهِ، فَسَرَى، وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَفَارَقَ الْمِيرَاثَ، فَإِنَّهُ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهِ، وَلَا فِعْلِهِ، وَلِأَنَّ مَنْ بَاشَرَ سَبَبَ السِّرَايَةِ اخْتِيَارًا، لَزِمَهُ ضَمَانُهَا، كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا، فَسَرَى جُرْحُهُ، وَلِأَنَّ مُبَاشَرَتَهُ لِمَا يَسْرِي، وَتَسَبُّبَهُ إلَيْهِ فِي لُزُومِ حُكْمِ السِّرَايَةِ وَاحِدٌ، بِدَلِيلِ اسْتِوَاءِ الْحَافِزِ وَالدَّافِعِ فِي ضَمَانِ الْوَاقِعِ. فَأَمَّا إنْ مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ، لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ فِيهِ، وَاسْتَقَرَّ فِيمَا مَلَكَهُ، وَرَقَّ الْبَاقِي، سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَسَبَّبْ إلَى إعْتَاقِهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ.

وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، إذَا كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَسَرَى إلَى بَاقِيه، كَمَا لَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ فَقَبِلَهُ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ، وَلَا تَسَبَّبَ إلَيْهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ، وَلَمْ يَسْرِ، كَالْأَجْنَبِيِّ، وَفَارَقَ مَا تَسَبَّبَ إلَيْهِ.

[فَصْلٌ وَرِثَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ جُزْءًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا]

(٨٦٠٤) فَصْلٌ: وَإِنْ وَرِثَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ جُزْءًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا عَتَقَ، وَلَمْ يَسْرِ إلَى بَاقِيه؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْرِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ، فَفِي حَقِّهِمَا أَوْلَى. وَإِنْ وُهِبَ لَهُمَا، أَوْ وُصِّيَ لَهُمَا بِهِ، وَهُمَا مُعْسِرَانِ، فَعَلَى وَلِيِّهِمَا قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ لَهُمَا، بِإِعْتَاقِ قَرِيبِهِمَا، مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ يَلْحَقُ بِهِمَا. وَإِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِمَا بَاقِيه إذَا مَلَكَا بَعْضَهُ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يُقَوَّمُ، وَلَا يَسْرِي الْعِتْقُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَرِثَهُ. وَالثَّانِي، يُقَوَّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَبُولَ وَلِيِّهِ يَقُومُ مَقَامَ قَبُولِهِ، فَأَشْبَهَ الْوَكِيلَ. فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ، لَيْسَ لِوَلِيِّهِ؛ قَبُولُهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ. وَعَلَى الْأَوَّلِ، يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ، إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.

وَإِذَا قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ. فَقَبِلَهُ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَصِحَّ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَمْ يَأْذَنْ الشَّرْعُ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ بِغَبْنٍ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَصِحَّ، وَتَكُونَ الْغَرَامَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ هَذِهِ الْغَرَامَةَ، فَكَانَتْ عَلَيْهِ، كَنَفَقَةِ الْحَجِّ إذَا حَجَّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>