أَوْ جَذْفِهِ، أَوْ مَا يُعَالِجُ بِهِ السَّفِينَةَ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ، وَالْحَكَمِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَا يَضْمَنُ، مَا لَمْ يَتَعَدَّ. قَالَ الرَّبِيعُ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَبُحْ بِهِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَزُفَرَ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، فَلَمْ تَصِرْ مَضْمُونَةً، كَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. وَلَنَا مَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّوَّاغَ، وَقَالَ: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، فِي " مُسْنَدِهِ "، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْأُجَرَاءَ، وَيَقُولُ: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا هَذَا. وَلِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا، كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ، بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ عَمَلَهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ، وَكَانَ ذَهَابُ عَمَلِهِ مِنْ ضَمَانِهِ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ، فَإِنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ، اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَمَا عَمِلَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَتَلِفَ مِنْ حِرْزِهِ، لَمْ يَسْقُطْ أَجْرُهُ بِتَلَفِهِ.
[فَصْل الْأَجِير الْمُشْتَرَكَ يَضْمَنُ إذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ]
(٤٢٧٦) فَصْلٌ: ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، مِثْلُ الْخَبَّازِ يَخْبِزُ فِي تَنُّورِهِ وَمِلْكِهِ، وَالْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ فِي دُكَّانَيْهِمَا، قَالَ: وَلَوْ دَعَا الرَّجُلُ خَبَّازًا، فَخَبَزَ لَهُ فِي دَارِهِ، أَوْ خَيَّاطًا أَوْ قَصَّارًا لِيَقْصِرَ وَيَخِيطَ عِنْدَهُ، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَتْلَفَ، مَا لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ نَفْسَهُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَصِيرُ كَالْأَجِيرِ الْخَاصِّ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَعَ الْمَلَّاحِ فِي السَّفِينَةِ، أَوْ رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ فَوْقَ حِمْلِهِ، فَعَطِبَ الْحِمْلُ، لَا ضَمَانَ عَلَى الْمَلَّاحِ وَالْمُكَارِي؛ لِأَنَّ يَدَ صَاحِبِ الْمَتَاعِ لَمْ تَزُلْ
وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَتَاعِ وَالْجَمَّالُ رَاكِبَيْنِ عَلَى الْحِمْلِ، فَتَلِفَ حِمْلُهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ الْجَمَّالُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَتَاعِ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ. وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ نَحْوُ هَذَا. قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَوْ كَانَ الْعَمَلُ فِي دُكَّانِ الْأَجِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ حَاضِرٌ، أَوْ اكْتَرَاهُ لِيَعْمَلَ لَهُ شَيْئًا، وَهُوَ مَعَهُ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ، وَيَجِبُ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَكُلَّمَا عَمِلَ شَيْئًا صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ مِلْكِ مُسْتَأْجِرِهِ، أَوْ كَانَ صَاحِبُ الْعَمَلِ حَاضِرًا عِنْدَهُ أَوْ غَائِبًا عَنْهُ، أَوْ كَوْنِهِ مَعَ الْمَلَّاحِ أَوْ الْجَمَّالِ أَوْ لَا
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمَلَّاحِ بِجَذْفِهِ، أَوْ بِجِنَايَةِ الْمُكَارِي بِشَدِّهِ الْمَتَاعَ، وَنَحْوِهِ، فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute