وَلِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، فَأَشْبَهَ الْأَبَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْأُمُّ مَعْدُومَةً، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، فَسُلِّمَ إلَى الْجَدَّةِ، خُيِّرَ الْغُلَامُ بَيْنهَا وَبَيْنَ أَبِيهِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ، فَإِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ مَعْدُومَيْنِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، فَسُلِّمَ إلَى امْرَأَةٍ كَأُخْتِهِ أَوْ عَمَّتِهِ أَوْ خَالَتِهِ، قَامَتْ مَقَامَ أُمِّهِ، فِي التَّخْيِيرِ بَيْنهَا وَبَيْنَ عَصَبَاتِهِ، لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَبَوَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ رَقِيقَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبه سِوَاهُمَا، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا حَضَانَةَ لَهُمَا عَلَيْهِ، وَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا، وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيُسَلَّمُ إلَى مِنْ يَحْضُنُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
[فَصْلٌ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ فِي الْحَضَانَة بِشَرْطَيْنِ]
(٦٥٤١) فَصْلٌ: وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْغُلَامُ بِشَرْطَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، كَانَ كَالْمَعْدُومِ، وَيُعَيَّنُ الْآخَرُ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ الْغُلَامُ مَعْتُوهًا، فَإِنْ كَانَ مَعْتُوهًا كَانَ عِنْدَ الْأُمِّ، وَلَمْ يُخَيَّرْ؛ لِأَنَّ الْمَعْتُوهَ بِمَنْزِلَةِ الطِّفْلِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، وَلِذَلِكَ كَانَتْ الْأُمُّ أَحَقَّ بِكَفَالَةِ وَلَدِهَا الْمَعْتُوهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلَوْ خُيِّرَ الصَّبِيُّ، فَاخْتَارَ أَبَاهُ، ثُمَّ زَالَ عَقْلُهُ، رُدَّ إلَى الْأُمِّ، وَبَطَلَ اخْتِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُيِّرَ حِينَ اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ، فَإِذَا زَالَ اسْتِقْلَالُهُ بِنَفْسِهِ، كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ عَلَيْهِ، وَأَقْوَمُ بِمَصَالِحِهِ، كَمَا فِي حَالِ طُفُولِيَّتِهِ.
[مَسْأَلَةٌ بَلَغْت الْجَارِيَةُ سَبْعَ سِنِينَ عَلَى مِنْ الْحَضَانَةِ]
(٦٥٤٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا بَلَغْت الْجَارِيَةُ سَبْعَ سِنِينَ، فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُخَيَّرُ كَالْغُلَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ سِنٍّ خُيِّرَ فِيهِ الْغُلَامُ خُيِّرَتْ فِيهِ الْجَارِيَةُ، كَسِنِّ الْبُلُوغِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِهَا، حَتَّى تُزَوَّجَ أَوْ تَحِيضَ وَقَالَ مَالِكٌ: الْأُمُّ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تُزَوَّجَ وَيَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهَا لَا حُكْمِ لِاخْتِيَارِهَا، وَلَا يُمْكِنُ انْفِرَادُهَا، فَكَانَتْ الْأُمُّ أَحَقَّ بِهَا، كَمَا قَبْلَ السَّبْعِ
وَلَنَا، أَنَّ الْغَرَضَ بِالْحَضَانَةِ الْحَظُّ، وَالْحَظُّ لِلْجَارِيَةِ بَعْدَ السَّبْعِ فِي الْكَوْنِ عِنْدَ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى حِفْظٍ، وَالْأَبُ أَوْلَى بِذَلِكَ، فَإِنَّ الْأُمَّ تَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهَا وَيَصُونُهَا، وَلِأَنَّهَا إذَا بَلَغْت السَّبْعَ، قَارَبَتْ الصَّلَاحِيَةَ لِلتَّزْوِيجِ، وَقَدْ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ، وَهِيَ ابْنَةُ سَبْعٍ، وَإِنَّمَا تُخْطَبُ الْجَارِيَةُ مِنْ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهَا، وَالْمَالِكُ لِتَزْوِيجِهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْكَفَاءَةِ، وَأُقْدَرُ عَلَى الْبَحْثِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يُصَارُ إلَى تَخْيِيرِهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ فِيهَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ وَالتَّزْوِيجِ، كَحَاجَتِهَا إلَيْهِ، وَلَا عَلَى سِنِّ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا حِينَئِذٍ مُعْتَبَرٌ فِي إذْنِهَا، وَتَوْكِيلِهَا، وَإِقْرَارِهَا، وَاخْتِيَارِهَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ مَا بَعْدَ السَّبْعِ عَلَى مَا قَبْلَهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي دَلِيلِنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute