وَأَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ مَنْ أَحَلَّهُ، بُقُولِ اللَّهِ تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] . وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: ٥] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦] . وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ مِنْ أَعْجَازِهِنَّ.» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا» . رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَحَاشُّ النِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» . رَوَاهُنَّ كُلَّهُنَّ الْأَثْرَمُ. فَأَمَّا الْآيَةُ، فَرَوَى جَابِرٌ قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَقُولُونَ: إذَا جَامِعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا، جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. فَأَنْزَلَ اللَّهَ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] . مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا، وَمِنْ خَلْفِهَا، غَيْرَ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا إلَّا فِي الْمَأْتَى. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: «ائْتِهَا مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً، إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْفَرْجِ» . وَالْآيَةُ الْأُخْرَى الْمُرَادُ بِهَا ذَلِكَ.
[فَصْلٌ وَطِئَ زَوْجَته فِي دُبُرهَا]
(٥٦٩٨) فَصْلٌ: فَإِنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي دُبُرِهَا، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةً، وَيُعَزَّرُ لَفِعْلِهِ الْمُحَرَّمَ، وَعَلَيْهَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهُ إيلَاجُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ فِي إفْسَادِ الْعِبَادَاتِ، وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ، وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ. وَإِنْ كَانَ الْوَطْءُ لَأَجْنَبِيَّةٍ، وَجَبَ حَدُّ اللُّوطِيِّ، وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ مَنْفَعَةً لَهَا عِوَضٌ فِي الشَّرْعِ. وَلَا يَحْصُلُ بِوَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي الدُّبُرِ إحْصَانٌ، إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ الْكَامِلِ، وَلَيْسَ هَذَا بِوَطْءٍ كَامِلٍ، وَالْإِحْلَالُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَذُوقُ بِهِ عُسَيْلَةَ الرَّجُلِ. وَلَا تَحْصُلُ بِهِ الْفَيْنَةُ، وَلَا الْخُرُوجُ مِنْ الْعُنَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِيهِمَا لِحَقِّ الْمَرْأَةِ، وَحَقُّهَا الْوَطْءُ فِي الْقُبُلِ. وَلَا يَزُولُ بِهِ الِاكْتِفَاءُ بِصَمْتِهَا فِي الْإِذْنِ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ بَكَارَةَ الْأَصْلِ بَاقِيَةٌ.
(٥٦٩٩) فَصْلٌ: وَلَا بَأْسَ بِالتَّلَذُّذِ بِهَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِتَحْرِيمِ الدُّبُرِ، فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ حُرِّمَ لِأَجَلِ الْأَذَى، وَذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالدُّبُرِ، فَاخْتَصَّ التَّحْرِيمُ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute