سَائِرُ الْكِنَايَاتِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَقَعُ اثْنَتَانِ، وَإِنْ نَوَاهُمَا وَقَعَ وَاحِدَةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ.
وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ. فَهِيَ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ، لَكِنَّهَا لَا تَقَعُ بِهَا إلَّا وَاحِدَةٌ. وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوَاحِدَةِ. وَإِنْ قَالَ: أَغْنَاك اللَّهُ. فَهِيَ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: أَغْنَاك اللَّهُ بِالطَّلَاقِ. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠] .
[فَصْلٌ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ بِالْكِنَايَاتِ]
(٥٨٦٢) فَصْلٌ: وَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ بِالْكِنَايَاتِ رَجْعِيٌّ، مَا لَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلُّهَا بَوَائِنُ، إلَّا: اعْتَدِّي. وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك. وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ، فَتَقَعُ الْبَيْنُونَةُ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. وَلَنَا أَنَّهُ طَلَاقٌ صَادَفَ مَدْخُولًا بِهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا اسْتِيفَاءِ عَدَدٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَجْعِيًّا، كَصَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَمَا سَلَّمُوهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا تَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ قُلْنَا: فَيَنْبَغِي أَنْ تَبِينَ بِثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا لَا تَبِينُ إلَّا بِثَلَاثٍ أَوْ عِوَضٍ.
[فَصْلٌ مَا لَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْفِرَاقِ]
(٥٨٦٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا مَا لَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْفِرَاقِ، كَقَوْلِهِ: اُقْعُدِي. وَقُومِي. وَكُلِي. وَاشْرَبِي. وَاقْرَبِي. وَأَطْعِمِينِي وَاسْقِينِي. وَبَارَكَ اللَّهُ عَلَيْك. وَغَفَرَ اللَّهُ لَك. وَمَا أَحْسَنَك. وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ، وَلَا تَطْلُقُ بِهِ، وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ، فَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: كُلِي. وَاشْرَبِي. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَقَوْلِنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: كُلِي أَلَمَ الطَّلَاقِ. وَاشْرَبِي كَأْسَ الْفِرَاقِ. فَوَقَعَ بِهِ، كَقَوْلِنَا: ذُوقِي، وَتَجَرَّعِي.
وَلَنَا، أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمُفْرَدِهِ إلَّا فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، كَنَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: ١٩] . وَقَالَ: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤] . فَلَمْ يَكُنْ كِنَايَةً، كَقَوْلِهِ: أَطْعِمِينِي. وَفَارَقَ ذُوقِي. وَتَجَرَّعِي؛ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَارِهِ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: ٤٩]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute