للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّهَا وَقَّعَتْ طَلَاقًا مَأْذُونًا فِيهِ، وَغَيْرَهُ، فَوَقَعَ الْمَأْذُونُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك. فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَضَرَائِرَهَا. فَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك. فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ انْصَرَفَ إلَى الْمُنْجَزِ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْمُعَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ. وَحُكْمُ تَوْكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الطَّلَاقِ، كَحُكْمِهَا فِيمَا مَا ذَكَرْنَاهُ كُلِّهِ.

[فَصْلٌ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقَ السُّنَّةِ قَالَتْ قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا]

(٥٨٩٦) فَصْلٌ: نَقَلَ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ إذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقَ السُّنَّةِ. قَالَتْ: قَدْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا. هِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا. إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِلَفْظٍ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، وَهُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا سِيَّمَا وَطَلَاقُ السُّنَّةِ فِي الصَّحِيحِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ.

[فَصْلٌ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا بِعِوَضِ]

(٥٨٩٧) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا بِعِوَضٍ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَا عِوَضَ لَهُ، فِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيمَا جَعَلَ لَهَا، وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْوَطْءِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَالَتْ امْرَأَتُهُ: اجْعَلْ أَمْرِي بِيَدِي، وَأُعْطِيك عَبْدِي هَذَا. قَبَضَ الْعَبْدَ، وَجَعَلَ أَمَرَهَا بِيَدِهَا، فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا لَمْ يَطَأْهَا أَوْ يَنْقُضْهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَالتَّوْكِيلُ لَا يَلْزَمُ بِدُخُولِ الْعِوَضِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ التَّمْلِيكُ بَعُوضٍ لَا يَلْزَمُ، مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبُولُ كَالْبَيْعِ.

[فَصْلٌ اخْتَلَفَا فَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ وَأَمْرُك بِيَدِك]

(٥٨٩٨) فَصْلٌ: إذَا اخْتَلَفَا، فَقَالَ الزَّوْجُ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ وَأَمْرُك بِيَدِك. وَقَالَتْ: بَلْ نَوَيْت. كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ جَوَابَ سُؤَالٍ، أَوْ مَعَهَا دَلَالَةُ حَالٍ. وَإِنْ قَالَ: لَمْ تَنْوِ الطَّلَاقَ بِاخْتِيَارِ نَفْسِك. وَقَالَتْ: بَلْ نَوَيْت. فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ قَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي. وَأَنْكَرَ وُجُودَ الِاخْتِيَارِ مِنْهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لَهُ، وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُهُ عِلْمُهُ، وَيُمْكِنُهَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى دُخُولِ الدَّارِ، فَادَّعَتْهُ، فَأَنْكَرَهُ.

[فَصْلٌ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَى حَرَامٌ وَأَطْلَقَ]

(٥٨٩٩) فَصْلٌ: إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَأَطْلَقَ، فَهُوَ ظِهَارٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَيْسَ بِيَمِينٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ يَمِينٌ. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنْ الضَّحَّاكِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنَ مَسْعُودٍ قَالُوا فِي الْحَرَامِ: يَمِينٌ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>