أَوْ الِاسْتِمْنَاءِ بِيَدِهَا أَوْ بِيَدِهِ، لَمْ يُبَحْ لَهُ. إفْسَادُ صَوْمِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إذَا انْدَفَعَتْ لَمْ يُبَحْ لَهُ مَا وَرَاءَهَا، كَالشِّبَعِ مِنْ الْمَيْتَةِ إذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِسَدِّ الرَّمَقِ.
وَإِنْ لَمْ تَنْدَفِعْ الضَّرُورَةُ إلَّا بِإِفْسَادِ صَوْمِ غَيْرِهِ، أُبِيحَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، فَأُبِيحَ كَفِطْرِهِ، وَكَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ يُفْطِرَانِ خَوْفًا عَلَى وَلَدَيْهِمَا. فَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ؛ حَائِضٌ، وَطَاهِرٌ صَائِمَةٌ، وَدَعَتْهُ الضَّرُورَةُ إلَى وَطْءِ إحْدَاهُمَا، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، وَطْءُ الصَّائِمَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ وَطْءِ الْحَائِضِ فِي كِتَابِهِ، وَلِأَنَّ وَطْأَهَا فِيهِ أَذًى لَا يَزُولُ بِالْحَاجَةِ إلَى الْوَطْءِ. وَالثَّانِي: يُتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الصَّائِمَةِ يُفْسِدُ صِيَامَهَا، فَتَتَعَارَضُ الْمَفْسَدَتَانِ، فَيَتَسَاوَيَانِ.
[مَسْأَلَةُ الْمُسَافِرَ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ]
(٢٠٩٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ) يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ، فَإِنْ صَامَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَأَجْزَأْهُ. وَجَوَازُ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ إنْ صَامَ أَجْزَأَهُ. وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْمُسَافِرِ قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ عُمَرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرَانِهِ بِالْإِعَادَةِ. وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ قَالَ: الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ وَقَالَ بِهَذَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ «وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ قَوْمًا صَامُوا، قَالَ: أُولَئِكَ هُمْ الْعُصَاةُ» .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الصَّائِمُ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ، كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ» . وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا قَوْلٌ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، هَجَرَهُ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ، وَالسُّنَّةُ تَرُدُّهُ، وَحُجَّتُهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيّ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، قَالَ: إنْ شِئْت فَصُمْ، وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ» وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ، «أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَجِدُ قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ قَالَ: هِيَ رُخْصَةُ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ» . وَقَالَ أَنَسٌ: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ وَأَحَادِيثُهُمْ مَحْمُولَةٌ عَلَى تَفْضِيلِ الْفِطْرِ عَلَى الصِّيَامِ.
[فَصْلُ الْأَفْضَل الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ]
(٢٠٩٥) فَصْلٌ: وَالْأَفْضَلُ عِنْدَ إمَامِنَا، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute