ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ الِابْتِدَاءِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْمَوْقُوفِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ]
(٤٣٧١) فَصْلٌ: وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْمَوْقُوفِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا وَقَفَ دَارِهِ عَلَى وَلَدِ أَخِيهِ، صَارَتْ لَهُمْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَلَكُوهُ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ، فَإِنَّ جَمَاعَةً نَقَلُوا عَنْهُ، فِي مَنْ وَقَفَ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي مَرَضِهِ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ، وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بِغَلَّتِهَا. وَهَذَا يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُونَ، أَنْ لَا يَمْلِكُونَ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ، فَإِنَّ فَائِدَةَ الْمِلْكِ وَآثَارَهُ ثَابِتَةٌ فِي الْوَقْفِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ الِاخْتِلَافِ نَحْوُ مَا حَكَيْنَاهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْوَقْفِ اللَّازِمِ، بَلْ يَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ، فَانْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَالْعِتْقِ. وَلَنَا أَنَّهُ سَبَبٌ يُزِيلُ مِلْكَ الْوَاقِفِ، وُجِدَ إلَى مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يُخْرِجْ الْمَالَ عَنْ مَالِيَّتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يُنْقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ، كَالْهِبَةِ، وَالْبَيْعِ.
وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ الْمُجَرَّدَةِ لَمْ يَلْزَمْ كَالْعَارِيَّةِ وَالسُّكْنَى، وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ كَالْعَارِيَّةِ، وَيُفَارِقُ الْعِتْقَ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ الْمَالِيَّةِ، وَامْتِنَاعُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّقَبَةِ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ، كَأُمِّ الْوَلَدِ.
[فَصْلٌ أَلْفَاظُ الْوَقْفِ سِتَّةٌ]
(٤٣٧٢) فَصْلٌ: وَأَلْفَاظُ الْوَقْفِ سِتَّةٌ، ثَلَاثَةٌ صَرِيحَةٌ، وَثَلَاثَةٌ كِنَايَةٌ، فَالصَّرِيحَةُ: وَقَفْت، وَحَبَسْت، وَسَبَّلْت. مَتَى أَتَى بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ، صَارَ وَقْفًا مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ أَمْرٍ زَائِدٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ ثَبَتَ لَهَا عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ النَّاسِ، وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ عُرْفُ الشَّرْعِ، بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ: «إنْ شِئْت حَبَسْت أَصْلَهَا، وَسَبَّلْت ثَمَرَتَهَا» . فَصَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي الْوَقْفِ كَلَفْظِ التَّطْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ
وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَهِيَ: تَصَدَّقْت، وَحَرَّمْت، وَأَبَّدْت. فَلَيْسَتْ صَرِيحَةً؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الصَّدَقَةِ وَالتَّحْرِيمِ مُشْتَرَكَةٌ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الزَّكَاةِ وَالْهِبَاتِ، وَالتَّحْرِيمَ يُسْتَعْمَلُ فِي الظِّهَارِ وَالْأَيْمَانِ، وَيَكُونُ تَحْرِيمًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَالتَّأْبِيدُ يَحْتَمِلُ تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ، وَتَأْبِيدَ الْوَقْفِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ، فَلَا يَحْصُلُ الْوَقْفُ بِمُجَرَّدِهَا، كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فِيهِ. فَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهَا أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، حَصَلَ الْوَقْفُ بِهَا أَحَدُهَا أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا لَفْظَةٌ أُخْرَى تُخَلِّصُهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْخَمْسَةِ، فَيَقُولُ: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ، أَوْ مُحَبَّسَةٌ، أَوْ مُسَبَّلَةٌ، أَوْ مُحَرَّمَةٌ، أَوْ مُؤَبَّدَةٌ
أَوْ يَقُولُ: هَذِهِ مُحَرَّمَةٌ مَوْقُوفَةٌ، أَوْ مُحَبَّسَةٌ، أَوْ مُسَبَّلَةٌ، أَوْ مُؤَبَّدَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute