صْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا آخَرَ، أَنَّهُ يُقْطَعُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ الْحَلْيِ، فَوَجَبَ فِيهِ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ سَرَقَهُ مُنْفَرِدًا. وَلَنَا أَنَّهُ تَابِعٌ لِمَا لَا قَطْعَ فِي سَرِقَتِهِ، أَشْبَهَ ثِيَابَ الْكَبِيرِ؛ وَلِأَنَّ يَدَ الصَّبِيِّ عَلَى مَا عَلَيْهِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يُوجَدُ مَعَ اللَّقِيطِ يَكُونُ لَهُ. وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْكَبِيرُ نَائِمًا عَلَى مَتَاعٍ، فَسَرَقَهُ وَمَتَاعَهُ، لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا]
(٧٢٥٣) فَصْلٌ: وَإِنْ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ. وَالصَّغِيرُ الَّذِي يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، هُوَ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَائِمًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ سَيِّدِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الطَّاعَةِ، فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ سَارِقُ الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ كَبِيرًا، لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ صَغِيرًا، كَالْحُرِّ.
وَلَنَا أَنَّهُ سَرَقَ مَالًا مَمْلُوكًا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا، فَوَجَبَ الْقَطْعُ عَلَيْهِ، كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ. وَفَارَقَ الْحُرَّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ. وَفَارَقَ الْكَبِيرَ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ لَا يُسْرَقُ، وَإِنَّمَا يُخْدَعُ بِشَيْءٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ، بِنَوْمٍ، أَوْ جُنُونٍ، فَتَصِحُّ سَرِقَتُهُ، وَيُقْطَعُ سَارِقُهُ. فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ فِي حَالِ نَوْمِهِ أَوْ جُنُونِهِ أُمَّ وَلَدٍ، فَفِي قَطْعِ سَارِقِهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا، وَلَا نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا، فَأَشْبَهَتْ الْحُرَّةَ. وَالثَّانِي: يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ تُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ، فَأَشْبَهَتْ الْقِنَّ. وَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ حُكْمُ الْقِنِّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ. فَأَمَّا الْمُكَاتَبُ: فَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهِ لَيْسَ بِتَامٍّ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ، وَلَا اسْتِخْدَامَهُ، وَلَا أَخْذَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَنَى السَّيِّدُ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ لَهُ الْأَرْشُ، وَلَوْ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ كَرْهًا، لَزِمَهُ عِوَضُهَا، وَلَوْ حَبَسَهُ لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ حَبْسِهِ، أَوْ إنْظَارُهُ مِقْدَارَ مُدَّةِ حَبْسِهِ.
وَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَجْلِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ. وَإِنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُكَاتَبِ ثَابِتٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّارِقُ سَيِّدَهُ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي مَالِهِ حَقًّا وَشُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَلِذَلِكَ لَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ لَمْ يُحَدَّ.
[فَصْلٌ سَرَقَ مَاءً]
فَصْلٌ: وَإِنْ سَرَقَ مَاءً، فَلَا قَطْعَ فِيهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَمَوَّلُ عَادَةً وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute