الْمَوْتِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، أَلَا تَرَى الَّذِي يُذْبَحُ رُبَّمَا مَكَثَ سَاعَةً، وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى يَمُوتَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعِكْرِمَةُ: إنْ وَقَعَا مَعًا أَكَلَهُمَا، وَإِنْ مَشَى بَعْدَ قَطْعِ الْعُضْوِ أَكَلَهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يُبَاحُ مَا بَانَ مِنْهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» .
وَلِأَنَّ هَذِهِ الْبَيْنُونَةَ لَا تَمْنَعُ بَقَاءَ الْحَيَوَانِ فِي الْعَادَةِ، فَلَمْ يُبَحْ أَكْلُ الْبَائِنِ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ الصَّيَّادُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. وَالْأُولَى الْمَشْهُورَةُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ ذَكَاةً لِبَعْضِ الْحَيَوَانِ، كَانَ ذَكَاةً لِجَمِيعِهِ، كَمَا لَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ، وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي حَيًّا، حَتَّى يَكُونَ الْمُنْفَصِلُ مِنْهُ مَيِّتًا، وَكَذَا نَقُولُ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فَإِنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ، حَلَّ رِوَايَةً وَاحِدَةً.
[فَصْلٌ حُكْم الطَّرِيدَةِ فِي الصَّيْد]
(٧٧٢٧) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِالطَّرِيدَةِ بَأْسًا، كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي مَغَازِيهِمْ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ فِي مَغَازِيهِمْ. وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: وَالطَّرِيدَةُ الصَّيْدُ يَقَعُ بَيْنَ الْقَوْمِ، فَيَقْطَعُ ذَا مِنْهُ بِسَيْفِهِ قِطْعَةً، وَيَقْطَعُ الْآخَرُ أَيْضًا، حَتَّى يُؤْتَى عَلَيْهِ وَهُوَ حَيٌّ. قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي إلَّا أَنَّ الصَّيْدَ يَقَعُ بَيْنَهُمْ، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَكَاتِهِ، فَيَأْخُذُونَهُ قِطَعًا.
[مَسْأَلَةٌ نَصَبَ الْمَنَاجِلَ لِلصَّيْدِ]
(٧٧٢٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا نَصَبَ الْمَنَاجِلَ لِلصَّيْدِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا نَصَبَ الْمَنَاجِلَ لِلصَّيْدِ، فَعَقَرَتْ صَيْدًا، أَوْ قَتَلَتْهُ، حَلَّ. فَإِنْ بَانَ مِنْهُ عُضْوٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَائِنِ بِضَرْبَةِ الصَّائِدِ. رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُبَاحُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذَكِّهِ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا قَتَلْت الْمَنَاجِلُ بِنَفْسِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الصَّائِدِ إلَّا السَّبَبُ، فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى مَنْ نَصَبَ سِكِّينًا، فَذَبَحَتْ شَاةً، وَلِأَنَّهُ لَوْ رَمَى سَهْمًا وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا، فَقَتَلَ صَيْدًا، لَمْ يَحِلَّ، فَهَذَا أَوْلَى.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْك يَدُك» . وَلِأَنَّهُ قَتَلَ الصَّيْدَ بِحَدِيدَةٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ بِهَا، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ قَتْلَ الصَّيْدِ بِمَا لَهُ حَدٌّ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالصَّيْدِ بِهِ، أَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا، وَالسَّبَبُ جَرَى مَجْرَى الْمُبَاشَرَةِ فِي الضَّمَانِ، فَكَذَلِكَ فِي إبَاحَةِ الصَّيْدِ، وَفَارَقَ مَا إذَا نَصَبَ سِكِّينًا؛ فَإِنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالصَّيْدِ بِهَا، وَإِذَا رَمَى سَهْمًا، وَلَمْ يَرَ صَيْدًا، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُعْتَادٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُ صَيْدًا، فَلَمْ يَصِحَّ قَصْدُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute