للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك، وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَك، وَأُزَوِّجُك أُخْتِي.» رَوَاهُ مُسْلِمُ. وَهَذَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ لِصِحَّتِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُعْمَلَ بِالْجَمِيعِ. وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ

وَلِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي نِكَاحِ إحْدَاهُمَا تَزْوِيجَ الْأُخْرَى، فَقَدْ جَعَلَ بُضْعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقَ الْأُخْرَى، فَفَسَدَ، كَمَا لَوْ لَفَظَ بِهِ، فَأَمَّا إنْ سَمَّوْا مَعَ ذَلِكَ صَدَاقًا، فَقَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي، عَلَى أَنْ تُزَوِّجُنِي ابْنَتَك، وَمَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ، أَوْ مَهْرُ ابْنَتِي مِائَةٌ وَمَهْرُ ابْنَتِك خَمْسُونَ، أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ، صِحَّتُهُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ سَمَّى صَدَاقًا، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ. وَقَالَ الْخِرَقِيِّ: لَا يَصِحُّ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ الْأَعْرَجِ، أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، أَنْكَحَ عَبْدَ الرَّحْمَنَ بْنَ الْحَكَمِ ابْنَتَهُ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَتَهُ، وَكَانَا جَعَلَا صَدَاقًا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى مَرْوَانَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَلِأَنَّهُ شَرَطَ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا لِنِكَاحِ الْأُخْرَى، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ لَمْ يُسَمِّيَا صَدَاقًا

يُحَقِّقُهُ أَنَّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ لَيْسَ بِمُفْسِدِ لِلْعَقْدِ، بِدَلِيلِ نِكَاحِ الْمُفَوِّضَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُفْسِدَ هُوَ الشَّرْطُ، وَقَدْ وُجِدَ، وَلِأَنَّهُ سَلَفٌ فِي عَقْدٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك ثَوْبِي بِعَشْرَةِ، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي ثَوْبَك بِعِشْرِينَ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّشْرِيكِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي، عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك، وَمَهْرُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةٌ وَبُضْعُ الْأُخْرَى. فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّشْرِيكِ، فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ مُسَمًّى

(٥٤٨٥) فَصْلٌ: وَمَتَى قُلْنَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا سَمَّيَا صَدَاقًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، تَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَرْضَ بِالْمُسَمَّى إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُزَوِّجَ وَلِيُّهُ صَاحِبَهُ، فَيَنْقُصَ الْمَهْرُ لِهَذَا الشَّرْطِ، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِذَا احْتَجْنَا إلَى ضَمَانِ النَّقْصِ، صَارَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا، فَبَطَلَ. وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي (الْجَامِعِ) ، أَنَّهُ يَجِبُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَدْرًا مَعْلُومًا يَصْحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي عَلَى أَلْفٍ، عَلَى أَنَّ لِي مِنْهَا مِائَةً. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا مَهْرًا دُونَ الْأُخْرَى]

(٥٤٨٦) فَصْلٌ: وَإِنْ سَمَّى لِإِحْدَاهُمَا مَهْرًا دُونَ الْأُخْرَى، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَفْسُدُ النِّكَاحُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ فَسَدَ فِي إحْدَاهُمَا، فَفَسَدَ فِي الْأُخْرَى. وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَفْسُدُ فِي الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا خَلَا مِنْ صَدَاقٍ سِوَى نِكَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>