وَلَنَا «، أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ» . وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقَسَمِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: ١٠٦] . وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْعِبَادَاتُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، فَأَمَّا مَا يَلْزَمُهُ بِنَذْرِهِ أَوْ يَمِينِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَتِهِ.
[فَصْلٌ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاته]
(٧٩٤٢) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَصِفَاتِهِ، نَحْوَ أَنْ يَحْلِفَ بِأَبِيهِ، أَوْ الْكَعْبَةِ، أَوْ صَحَابِيٍّ، أَوْ إمَامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَا أَصْلُ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهِ تَعَالَى أَقْسَمَ بِمَخْلُوقَاتِهِ، فَقَالَ: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: ١] . {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا} [المرسلات: ١] . {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} [النازعات: ١] . «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ السَّائِلِ عَنْ الصَّلَاةِ: أَفْلَحَ، وَأَبِيهِ، إنْ صَدَقَ» . وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي الْعُشَرَاءِ: «وَأَبِيك لَوْ طَعَنْت فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَك» .
وَلَنَا، مَا رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْرَكَهُ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ» . قَالَ عُمَرُ: فَمَا حَلَفْت بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، ذَاكِرًا وَلَا آثَرَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. يَعْنِي وَلَا حَاكِيًا لَهَا عَنْ غَيْرِي. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَقَدْ أَشْرَكَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ حَلَفَ إنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ كَذَبَ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَأَمَّا قَسَمُ اللَّهِ بِمَصْنُوعَاتِهِ، فَإِنَّمَا أَقْسَمَ بِهِ دَلَالَةً عَلَى قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَلِلَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَا وَجْهَ لِلْقِيَاسِ عَلَى إقْسَامِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ فِي إقْسَامِهِ إضْمَارَ الْقَسَمِ بِرَبِّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَقَوْلُهُ: {وَالضُّحَى} [الضحى: ١] . أَيْ وَرَبِّ الضُّحَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute