للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِنْ «حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ، تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرُوِيَ فِي (الْمُسْنَدِ) ، عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: أُصُولُ السُّنَنِ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ، هَذَا أَحَدُهَا.

وَهَذَا فِي حَالِ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّهُ حَالُ عِبَادَةٍ وَاسْتِشْعَارٍ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُشْبِهُ الِاعْتِكَافَ، وَقَدْ احْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ، بِأَنَّ شُرَيْحًا، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَانَ إذَا أَحْرَمَ كَأَنَّهُ حَيَّةٌ صَمَّاءُ. فَيُسْتَحَبُّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتَّلْبِيَةِ، وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ تَعْلِيمٍ لِجَاهِلٍ، أَوْ يَأْمُرَ بِحَاجَتِهِ، أَوْ يَسْكُتَ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِمَا لَا مَأْثَمَ فِيهِ، أَوْ أَنْشَدَ شِعْرًا لَا يَقْبُحُ، فَهُوَ مُبَاحٌ، وَلَا يُكْثِرُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَجَعَلَ يَقُولُ:

كَأَنَّ رَاكِبَهَا غُصْنٌ بِمِرْوَحَةٍ ... إذَا تَدَلَّتْ بِهِ أَوْ شَارِبٌ ثَمِلُ

اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَالْفَضِيلَةُ الْأَوَّلُ.

[مَسْأَلَة لَا يَتَفَلَّى الْمُحْرِم وَلَا يَقْتُل الْقَمْل وَيْحك رَأْسَهُ وَجَسَده حَكَّا رَفِيقًا]

(٢٣٢٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَتَفَلَّى الْمُحْرِمُ، وَلَا يَقْتُلُ الْقَمْلَ، وَيَحُكُّ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ حَكًّا رَفِيقًا) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِي إبَاحَةِ قَتْلِ الْقَمْلِ؛ فَعَنْهُ إبَاحَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْثَرِ الْهَوَامِّ أَذًى، فَأُبِيحَ قَتْلُهُ، كَالْبَرَاغِيثِ وَسَائِرِ مَا يُؤْذِي، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» . يَدُلُّ بِمَعْنَاهُ عَلَى إبَاحَةِ قَتْلِ كُلِّ مَا يُؤْذِي بَنِي آدَمَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. وَعَنْهُ أَنَّ قَتْلَهُ مُحَرَّمٌ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَفَّهُ بِإِزَالَتِهِ عَنْهُ، فَحُرِّمَ كَقَطْعِ الشَّعْرِ، وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهُ: احْلِقْ رَأْسَك» . فَلَوْ كَانَ قَتْلُ الْقَمْلِ أَوْ إزَالَتُهُ مُبَاحًا، لَمْ يَكُنْ كَعْبٌ لِيَتْرُكهُ حَتَّى يَصِيرَ كَذَلِكَ، أَوْ لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِإِزَالَتِهِ خَاصَّةً.

وَالصِّئْبَانُ كَالْقَمْلِ فِي ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَتْلِ الْقَمْلِ، أَوْ إزَالَتِهِ بِإِلْقَائِهِ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ قَتْلِهِ بِالزِّئْبَقِ، فَإِنَّ قَتْلَهُ لَمْ يَحْرُمْ لِحُرْمَتِهِ، لَكِنْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ، فَعَمَّ الْمَنْعُ إزَالَتَهُ كَيْفَمَا كَانَتْ. وَلَا يَتَفَلَّى، فَإِنَّ التَّفَلِّيَ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ الْقَمْلِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ. وَيَجُوزُ لَهُ حَكُّ رَأْسِهِ، وَيَرْفُقُ فِي الْحَكِّ، كَيْ لَا يَقْطَعَ شَعْرًا، أَوْ يَقْتُلَ قَمْلَةً، فَإِنْ حَكَّ فَرَأَى فِي يَده شَعْرًا، أَحْبَبْنَا أَنْ يَفْدِيَهُ احْتِيَاطًا، وَلَا يَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>