فَقَالَ: أَنْتَ بِذَاكَ يَا سَلَمَةُ؟ . فَقُلْت: أَنَا بِذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا صَابِرٌ لِحُكْمِ اللَّهِ، فَاحْكُمْ فِي مَا أَرَاك اللَّهُ. قَالَ: حَرِّرْ رَقَبَةً. قُلْت: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أَمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَهَا. وَضَرَبْت صَفْحَةَ رَقَبَتِي. قَالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قُلْت: وَهَلْ أَصَبْت الَّذِي أَصَبْت إلَّا مِنْ الصِّيَامِ؟ . قَالَ: فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قُلْت: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ بِتْنَا وَحْشَيْنِ، مَا لَنَا طَعَامٌ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ، فَلْيَدْفَعْهَا إلَيْك. قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَكُلْ أَنْتَ وَعِيَالُكَ بَقِيَّتَهَا. فَرَجَعْت إلَى قَوْمِي، فَقُلْت: وَجَدْت عِنْدَكُمْ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْيِ، وَوَجَدْت عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّعَةَ وَحُسْنَ الرَّأْيِ، وَقَدْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ.»
[فَصْل كُلُّ زَوْجٍ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ]
(٦١٦٠) فَصْلٌ: وَكُلُّ زَوْجٍ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ، وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، حُرًّا أَوْ عَبْدًا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَظِهَارُ السَّكْرَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى طَلَاقِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ ظِهَارُ الصَّبِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى طَلَاقِهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ ظِهَارَ الصَّبِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ مُوجِبَةٌ لِلْكَفَّارَةِ، فَلَمْ تَنْعَقِدْ مِنْهُ، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ لِمَا فِيهِ مِنْ قَوْلِ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ، وَذَلِكَ مَرْفُوعٌ عَنْ الصَّبِيِّ؛ لِكَوْنِ الْقَلَمِ مَرْفُوعًا عَنْهُ. وَقَدْ قِيلَ: لَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الرِّقَابَ، وَلَنَا، عُمُومُ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، فَصَحَّ ظِهَارُهُ، كَالْحُرِّ.
فَأَمَّا إيجَابُ الرَّقَبَةِ، فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ يَجِدُهَا، وَلَا يَبْقَى الظِّهَارُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَجِدُهَا، كَالْمُعْسِرِ، فَرْضُهُ الصِّيَامُ. وَيَصِحُّ ظِهَارُ الذِّمِّيِّ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ، وَهِيَ الرَّافِعَةُ لِلتَّحْرِيمِ، فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّحْرِيمُ، وَدَلِيلُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ، أَنَّهَا عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. وَلَنَا أَنَّ مَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ، كَالْمُسْلِمِ. فَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فَيَبْطُلُ بِكَفَّارَةِ الصَّيْدِ إذَا قَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ، وَكَذَلِكَ الْحَدُّ يُقَامُ عَلَيْهِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ الْعِتْقُ وَالْإِطْعَامُ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ الصَّوْمُ، فَلَا تَمْتَنِعُ صِحَّةُ الظِّهَارِ بِامْتِنَاعِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ، كَمَا فِي حَقِّ الْعَبْدِ.
وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ لِتَعْيِينِ الْفِعْلِ لِلْكَفَّارَةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، كَالنِّيَّةِ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ. وَمَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ، يَصِحُّ ظِهَارُهُ فِي إفَاقَتِهِ، كَمَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute