مِثْلُ مَا فَعَلَ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ الْعُنُقَ آخَرُ غَيْرُهُ. فَأَمَّا حَدِيثُ: «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» . فَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِجَيِّدِ. الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَصِيرَ الْأَمْرُ إلَى الدِّيَةِ، إمَّا بِعَفْوِ الْوَلِيِّ، أَوْ كَوْنِ الْفِعْلِ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَجِبُ دِيَةُ الْأَطْرَافِ الْمَقْطُوعَةِ وَدِيَةُ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قُطِعَ بِسِرَايَةِ الْجُرْحِ بِقَتْلِهِ صَارَ كَالْمُسْتَقِرِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَسْقُط الْقِصَاصُ فِيهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ قَاتِلٌ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْجُرْحِ، فَدَخَلَ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ فِي أَرْشِ النَّفْسِ، كَمَا لَوْ سَرَتْ إلَى نَفْسِهِ، وَالْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَجِبُ، وَإِنْ وَجَبَ فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَا يُشْبِهُ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْجُرْحِ لَا تُسْقِطُ الْقِصَاصَ فِيهِ، وَتُسْقِطُ دِيَتَهُ. (٦٦٥٠) فَصْلٌ: وَمَتَى قُلْنَا: لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ بِوَلِيِّهِ. فَأَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ضَرْبِ عُنُقِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَفْضَلُ. وَإِنْ قَطَعَ أَطْرَافَهُ الَّتِي قَطَعَهَا الْجَانِي، أَوْ بَعْضَهَا، ثُمَّ عَفَا عَنْ قَتْلِهِ، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ بَعْضَ حَقِّهِ. وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ أَطْرَافِهِ، ثُمَّ عَفَا إلَى الدِّيَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا فَعَلَ بِوَلِيِّهِ لَا يَجِبُ بِهِ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بَعْضَهُ وَيَسْتَحِقَّ كَمَالَ الدِّيَةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَهُ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَلَا شَيْءَ لَهُ.
وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ إلَّا بِضَرْبِ الْعُنُقِ. فَاسْتَوْفَى مِنْهُ بِمِثْلِ مَا فَعَلَ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى الْمَأْثَمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْجَانِي فِي الْأَطْرَافِ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ شَيْئًا يَخْتَصُّ بِهَا، فَكَذَلِكَ فِعْلُ الْمُسْتَوْفِي، إنْ قَطَعَ الْجَانِي طَرَفًا وَاحِدًا، ثُمَّ عَفَا إلَى الدِّيَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا تَمَامُهَا، وَإِنْ قَطَعَ مَا تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ، ثُمَّ عَفَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ قَطَعَ مَا يَجِبُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الدِّيَةِ، ثُمَّ عَفَا، احْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ مَا زَادَ عَلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ، وَقَدْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَإِذَا تَرَكَ قَتْلَهُ، وَعَفَا عَنْهُ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ، وَلِأَنَّهُ فَعَلَ بَعْضَ مَا فَعَلَ بِوَلِيِّهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ قُلْنَا: إنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِهِ.
[فَصْلٌ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ إذَا انْفَرَدَ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ]
(٦٦٥١) فَصْلٌ: فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ إذَا انْفَرَدَ، فَسَرَى إلَى النَّفْسِ، فَلَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقَطْعَ قَبْلَ الْقَتْلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي، وَبَنَاهُمَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute