لَهَا بَعْدَ الْجُعْلِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا
وَلَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَ الْجُعْلِ بِرَدِّهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ الْوَاجِبِ، كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ. وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ الْمُلْتَقِطُ، فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ عِوَضًا عَنْ الِالْتِقَاطِ الْمُبَاحِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ مُلْتَقِطَهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْجُعْلُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، سَوَاءٌ رَدَّهَا لِعِلَّةِ الْجُعْلِ أَوْ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَحِقَّهُ مَعَ قَصْدِهِ إيَّاهُ، وَعَمَلِهِ مِنْ أَجْلِهِ، فَلَأَنْ لَا يَسْتَحِقَّهُ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ أَوْلَى. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ رَدَّهَا لِعِلَّةِ الْجُعْلِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فِيمَا إذَا رَدَّهَا لِغَيْرِ عِلَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إنَّمَا تَدْعُو إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي مِنْ يُرِيدُ الْجُعْلَ، أَمَّا مَنْ تَرَكَهُ وَلَا يُرِيدُهُ، فَلَا يَقَعُ التَّنَازُعُ فِيهِ غَالِبًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَالسَّفِيهَ إذَا الْتَقَطَ أَحَدُهُمْ لُقَطَةً ثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا]
(٤٥٣٦) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَ اللُّقَطَةَ سَفِيهًا أَوْ طِفْلًا، قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا، فَإِنْ تَمَّتْ السَّنَةُ، ضَمَّهَا إلَى مَالِ وَاجِدِهَا) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَالسَّفِيهَ، إذَا الْتَقَطَ أَحَدُهُمْ لُقَطَةً، ثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّ هَذَا تَكَسُّبٌ، فَصَحَّ مِنْهُ، كَالِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ. وَإِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا لَهُ أَخْذُهُ. وَإِنْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ، ضَمِنَهَا فِي مَالِهِ. وَإِذَا عَلِمَ بِهَا وَلِيُّهُ، لَزِمَهُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالْأَمَانَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الصَّبِيِّ.
وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُ، فَإِذَا تَرَكَهَا فِي يَدِهِ كَانَ مُضَيِّعًا لَهَا، وَإِذَا أَخَذَهَا الْوَلِيُّ، عَرَّفَهَا؛ لِأَنَّ وَاجِدَهَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّعْرِيفِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّعْرِيفِ، دَخَلَتْ فِي مِلْكِ وَاجِدِهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ تَمَّ شَرْطُهُ، فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ، كَمَا لَوْ اصْطَادَ صَيْدًا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا: إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّعْرِيفِ، فَكَأَنَّ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ بِحَيْثُ يُسْتَقْرَضُ لَهُمَا، يَتَمَلَّكُهُ لَهُمَا، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَمَلَّكُهُ لَهُمَا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ ظُهُورِ صَاحِبِهِ، فَيَكُونُ تَمَلُّكُهُ مَصْلَحَةً لَهُ
وَلَنَا عُمُومُ الْأَخْبَارِ، وَلَوْ جَرَى هَذَا مَجْرَى الِاقْتِرَاضِ لَمَا صَحَّ الْتِقَاطُ صَبِيٍّ لَا يَجُوزُ الِاقْتِرَاضُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَبَرُّعًا بِحِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ. (٤٥٣٧) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى، فِي غُلَامٍ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ، الْتَقَطَ لُقَطَةً، ثُمَّ كَبِرَ: فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا دَفَعَهَا إلَيْهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا. قَدْ مَضَى أَجَلُ التَّعْرِيفِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ السِّنِينَ، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالَ أَجَلِ التَّعْرِيفِ. قَالَ: وَقَدْ كُنْت سَمِعْته قَبْلَ هَذَا أَوْ بَعْدَهُ يَقُولُ فِي انْقِضَاءِ أَجَلِ التَّعْرِيفِ إذَا لَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute