[فَصْلٌ أَتَتْ بِفَاحِشَةِ فَعَضَلِهَا لِتَفْتَدِي نَفْسَهَا مِنْهُ فَفَعَلَتْ]
(٥٧٥٣) فَصْلٌ: فَإِنْ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ، فَعَضَلَهَا لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، صَحَّ الْخُلْعُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: ١٩] وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّهْيِ إبَاحَةٌ، وَلِأَنَّهَا مَتَى زَنَتْ، لَمْ يَأْمَنْ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِ، وَتُفْسِدَ فِرَاشَهُ، فَلَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ، فَتَدْخُلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْآخِرُ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَزْنِ. وَالنَّصُّ أَوْلَى.
[فَصْل خَالِعَ زَوْجَتَهُ أَوْ بَارَأَهَا بِعِوَضِ]
(٥٧٥٤) فَصْلٌ: إذَا خَالَعَ زَوْجَتَهُ، أَوْ بَارَأَهَا بِعِوَضٍ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْحُقُوقِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ كُلَّهُ، رَدَّتْ نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُفَوِّضَةً، فَلَهَا الْمُتْعَةُ. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ بَرَاءَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ. وَأَمَّا الدُّيُونُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، فَعَنْهُ فِيهَا رِوَايَتَانِ، وَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهَا مَا وَجَبَتْ بَعْدُ.
وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ حَقٌّ لَا يَسْقُطُ بِالْخُلْعِ، إذَا كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، فَلَا يَسْقُطُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، وَالْمُبَارَأَةُ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا، وَلِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ الَّذِي يَصِيرُ لَهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ قَبْلَ الْخُلْعِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْمُبَارَأَةِ، كَنَفَقَةِ الْعِدَّةِ، وَالنِّصْفُ لَهَا لَا يَبْرَأُ مِنْهُ بِقَوْلِهَا: بَارَأْتُكَ. لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي بَرَاءَتَهَا مِنْ حُقُوقِهِ، لَا بَرَاءَتَهُ مِنْ حُقُوقِهَا.
[مَسْأَلَةٌ الْخُلْع فَسْخٌ]
(٥٧٥٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْخُلْعُ فَسْخٌ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ) . اخْتَلَفْت الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْخُلْعِ؛ فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ فَسْخٌ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَقَبِيصَةَ، وَشُرَيْحٍ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ لَكِنْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ، وَقَالَ: لَيْسَ لَنَا فِي الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسْخٌ. وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] ثُمَّ قَالَ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] فَذَكَرَ تَطْلِيقَتَيْنِ وَالْخُلْعَ وَتَطْلِيقَةً بَعْدَهَا، فَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute