للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢٧٦٩) فَصْلٌ: قَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " أَوْ مَاتَ " الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْعَبْدَ، وَرَدَّ الضَّمِيرَ إلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: " أَوْ تَلِفَتْ السِّلْعَةُ ". وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَدَّ الضَّمِيرَ إلَى الْمُشْتَرِي، وَأَرَادَ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الْعَبْدِ قَدْ تَنَاوَلَهُ بِقَوْلِهِ: " أَوْ تَلِفَتْ السِّلْعَةُ ". وَالْحُكْمُ فِي مَوْتِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدٌ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّ خِيَارَ الْمَيِّتِ مِنْهُمَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، وَيَبْقَى خِيَارُ الْآخَرِ بِحَالِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ قَدْ طَالَبَ بِالْفَسْخِ قَبْلَ مَوْتِهِ فِيهِ، فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَيَتَخَرَّجُ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَبْطُلُ، وَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ، فَيَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، كَالْأَجَلِ وَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَلِأَنَّهُ حَقُّ فَسْخٍ لِلْبَيْعِ، فَيَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَلَنَا، أَنَّهُ حَقُّ فَسْخٍ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ؛ فَلَمْ يُورَثْ كَخِيَارِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ.

[مَسْأَلَة إذَا تَفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّهُ إلَّا بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ]

(٢٧٧٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا تَفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا رَدُّهُ إلَّا بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، مَا لَمْ يَكُنْ سَبَبٌ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» ، وَقَوْلُهُ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا» . جَعَلَ التَّفَرُّقَ غَايَةً لِلْخِيَارِ. وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا قَبْلَهَا، إلَّا أَنْ يَجِدَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبًا فَيَرُدَّهَا بِهِ، أَوْ يَكُونَ قَدْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَيَمْلِكُ الرَّدَّ أَيْضًا. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ثُبُوتِ الرَّدِّ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ.

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَفِي مَعْنَى الْعَيْبِ أَنَّ يُدَلِّسَ الْمَبِيعَ بِمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ، أَوْ يَشْتَرِطَ فِي الْمَبِيعِ صِفَةً يَخْتَلِفُ بِهَا الثَّمَنُ، فَيَتَبَيَّنُ بِخِلَافِهِ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا. وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ فِي الْمُرَابَحَةِ فِي الثَّمَنِ أَنَّهُ حَالٌّ، فَبَانَ مُؤَجَّلًا، وَنَحْوَ هَذَا، وَنَذْكُرُ هَذَا فِي مَوَاضِعِهِ.

(٢٧٧١) فَصْلٌ: وَلَوْ أَلْحَقَا فِي الْعَقْدِ خِيَارًا بَعْدَ لُزُومِهِ لَمْ يَلْحَقْهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يَلْحَقُهُ؛ لِأَنَّ لَهُمَا فَسْخَ الْعَقْدِ، فَكَانَ لَهُمَا إلْحَاقُ الْخِيَارِ بِهِ كَحَالَةِ الْمَجْلِسِ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَمْ يَصِرْ جَائِزًا بِقَوْلِهِمَا، كَالنِّكَاحِ. وَفَارَقَ حَالَ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ.

[فَصْلٌ بُيُوعُ الْأَعْيَانِ الْمَرْئِيَّةِ]

(٢٧٧٢) فَصْلٌ: وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بُيُوعَ الْأَعْيَانِ الْمَرْئِيَّةِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِبَيْعِ الْغَائِبِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ كُلَّ مَا يُسَمَّى خِيَارًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَغَيْرُهُ. وَفِي بَيْعِ الْغَائِبِ رِوَايَتَانِ؛ أَظْهَرُهُمَا، أَنَّ الْغَائِبَ الَّذِي لَمْ يُوصَفْ، وَلَمْ تَتَقَدَّمْ رُؤْيَتُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>