فَإِنْ أَقَرَّ لَأَحَدِهِمَا بِالْكُلِّ، وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ يَعْتَرِفُ لِلْآخَرِ بِالنِّصْفِ، سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ، وَجَبَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ، إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ قَدْ اعْتَرَفَ لَهُ بِهَا، فَصَارَ بِمَنْزِلَتِهِ، فَيَثْبُتُ لِمَنْ يُقِرُّ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اعْتَرَفَ لِلْآخَرِ، وَادَّعَى جَمِيعَهَا أَوْ ادَّعَى أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، فَهُوَ لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَمْلِكُ جَمِيعَهَا وَلَمْ يَدَّعِ إلَّا نِصْفَهَا؟ قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى، بَلْ مَتَى أَقَرَّ الْإِنْسَانُ بِشَيْءٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، ثَبَتَ، وَقَدْ وُجِدَ التَّصْدِيقُ هَاهُنَا فِي النِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْ دَعْوَاهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اقْتَصَرَ عَلَى دَعْوَى أَلْفٍ؛ لِأَنَّ لَهُ حُجَّةً بِهِ، أَوْ لِأَنَّ النِّصْفَ الْآخَرَ قَدْ اعْتَرَفَ لَهُ بِهِ، فَادَّعَى النِّصْفَ الَّذِي لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ. فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فِي إقْرَارِهِ بِالنِّصْفِ الَّذِي لَمْ يَدَّعِهِ، وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ لِلْآخَرِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ؛ أَحَدُهَا: يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهِ لِمَنْ لَا يَدَّعِيه.
الثَّانِي، يَنْزِعُهُ الْحَاكِمُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَثْبُتَ لِمُدَّعِيهِ، وَيُؤْجِرُهُ، وَيَحْفَظُ أُجْرَتَهُ لِمَالِكِهِ. وَالثَّالِثُ، يُدْفَعُ إلَى مُدَّعِيه لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ فِيهِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ كَنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا.
[مَسْأَلَة كُلُّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَلِخَصْمِهِ عَلَيْهِ الْيَمِينُ]
(٣٨٩٩) . مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَكُلُّ مَنْ قُلْت: الْقَوْلُ قَوْلُهُ. فَلِخَصْمِهِ عَلَيْهِ الْيَمِينُ)
يَعْنِي فِي هَذَا الْبَابِ وَفِيمَا أَشْبَهَهُ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: عِنْدِي أَلْفٌ. ثُمَّ قَالَ: وَدِيعَةً. أَوْ قَالَ: عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: وَدِيعَةً. أَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي رَهْنٌ. فَقَالَ الْمَالِكُ: وَدِيعَةٌ. وَمِثْلُ الشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمُنْكِرِ لِلدَّعْوَى، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ أَوْ قَدْرِهِ، أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ الَّذِي الرَّهْنُ بِهِ، وَأَشْبَاهُ هَذَا، فَكُلُّ مَنْ قُلْنَا الْقَوْلُ
قَوْلُهُ. فَعَلَيْهِ لِخَصْمِهِ الْيَمِينُ. لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعَاوِيهِمْ لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلِأَنَّ الْيَمِينَ يُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ، وَقَوِيَ جَانِبُهُ، تَقْوِيَةً لِقَوْلِهِ وَاسْتِظْهَارًا، وَاَلَّذِي جُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ كَذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ تُشْرَعَ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ. (٣٩٠٠) فَصْلٌ: إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَهَبَ وَأُقْبِضَ الْهِبَةَ، أَوْ رَهَنَ وَأُقْبِضَ، أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ ثَمَنَ الْمَبِيعِ، أَوْ أَجْرَ الْمُسْتَأْجَرِ، ثُمَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَسَأَلَ إحْلَافَ خَصْمِهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يُسْتَحْلَفُ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَكْذِيبٌ لِإِقْرَارِهِ، فَلَا تُسْمَعُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute