وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُؤْخَذُ لَهَا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا أَقَرَّتْ لَهَا بِهِ. وَإِذَا بَلَغَتْ فَصَدَّقَتْ إحْدَاهُنَّ، أَمْسَكَتْ مَا أُخِذَ لَهَا مِنْهَا، وَرَدَّتْ عَلَى الْبَاقِيَتَيْنِ الْفَضْلَ الَّذِي لَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ أَصْوَبُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا عَلَى حَقِّهَا. ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ لِأَبٍ، ادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهَا أُخْتُ الْمَيِّتِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَصَدَّقَهَا الْأَكْبَرُ، وَقَالَ الْأَوْسَطُ: هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ. وَقَالَ الْأَصْغَرُ: هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ.
فَإِنَّ الْأَكْبَرَ يَدْفَعُ إلَيْهَا نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَدْفَعُ إلَيْهَا الْأَوْسَطُ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ، وَيَدْفَعُ إلَيْهَا الْأَصْغَرُ سُبْعَ مَا فِي يَدِهِ، وَتَصِحُّ مِنْ مِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ مَسْأَلَتِهِمْ ثَلَاثَةٌ، فَمَسْأَلَةُ الْأَكْبَرِ مِنْ اثْنَيْنِ، وَالثَّانِي مِنْ سِتَّةٍ، وَالثَّالِثِ مِنْ سَبْعَةٍ، وَالِاثْنَانِ تَدْخُلُ فِي السِّتَّةِ، فَتَضْرِبُ سِتَّةً، فِي سَبْعَةٍ، تَكُنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، فَهَذَا مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَتَأْخُذُ مِنْ الْأَكْبَرِ نِصْفَهُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ، وَمِنْ الْأَوْسَطِ سُدُسَهُ سَبْعَةً، وَمِنْ الْأَصْغَرِ سُبْعَهُ سِتَّةً، صَارَ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ. وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى
وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَأْخُذُ سُبُعَ مَا فِي يَدِ الْأَصْغَرِ، فَيُضَمُّ نِصْفُهُ إلَى مَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا، وَنِصْفُهُ إلَى مَا بِيَدِ الْآخَرِ، وَيُقَاسِمُ الْأَوْسَطَ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لَهُ عَشَرَةٌ، وَلَهَا ثَلَاثَةٌ، فَيَضُمُّ الثَّلَاثَةَ إلَى مَا بِيَدِ الْأَكْبَرِ، وَيُقَاسِمُهُ مَا بِيَدِهِ عَلَى أَرْبَعَةٍ، لَهَا ثَلَاثَةٌ، وَلَهُ سَهْمٌ، فَاجْعَلْ فِي يَدِ الْأَصْغَرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ؛ لِيَكُونَ لِسُبْعِهِ نِصْفٌ صَحِيحٌ، وَاضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ، تَكُنْ مِائَةً وَاثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ، فَهَذَا مَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، تَأْخُذُ مِنْ الْأَصْغَرِ سُبْعَهُ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ.
تُضَمُّ إلَى مَا بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ إخْوَتِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَيَصِيرُ مَعَهُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ، وَتَأْخُذُ مِنْ الْأَوْسَطِ مِنْهَا ثَلَاثَةً مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَهِيَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ، تَضُمُّهَا إلَى مَا بِيَدِ الْأَكْبَرِ، يَصِيرُ مَعَهُ مِائَتَانِ وَأَرْبَعُونَ، فَتَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا، وَهِيَ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ، وَيَبْقَى لَهُ سِتُّونَ، وَيَبْقَى لِلْأَوْسَطِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، وَلِلْأَصْغَرِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، وَتَرْجِعُ بِالِاخْتِصَارِ إلَى سُدُسِهَا، وَهُوَ أَحَدٌ وَتِسْعُونَ.
[فَصْلٌ خَلَّفَ ابْنًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ ثُمَّ جَحَدَهُ]
(٤٩٣٨) فَصْلٌ: وَإِذَا خَلَّفَ ابْنًا، فَأَقَرَّ بِأَخٍ، ثُمَّ جَحَدَهُ، لَمْ يُقْبَلْ جَحْدُهُ، وَلَزِمَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ مَا بِيَدِهِ. فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَ جَحْدِهِ بِآخَرَ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ فِي يَدِهِ عَنْ مِيرَاثِهِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إلَى الْأَوَّلِ شَيْئًا، لَزِمَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ مَا بِيَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ دَفْعُ النِّصْفِ الْبَاقِي كُلِّهِ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ، وَبَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْفَضْلُ الَّذِي فِي يَدِهِ، عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِمْ ثَلَاثَةً، فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالثَّانِي مِنْ غَيْرِ جَحْدِ الْأَوَّلِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ دَفَعَ إلَى الثَّانِي نِصْفَ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، دَفَعَ إلَى الثَّانِي ثُلُثَ جَمِيعِ
الْمَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute