قَالُوا: يُجْزِئُ مِنْ الْبُرِّ نِصْفُ صَاعٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَمِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ صَاعٌ صَاعٌ. وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى.
[فَصْل يُجْزِئُ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالزَّبِيب فِي فِدْيَةِ الْحَجّ]
(٢٦٤٥) فَصْلٌ: وَيُجْزِئُ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ فِي الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ أَجْزَأَ فِيهِ التَّمْرُ أَجْزَأَ فِيهِ ذَلِكَ، كَالْفِطْرَةِ، وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: «فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِي: احْلِقْ رَأْسَك، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ زَبِيبٍ. أَوْ اُنْسُكْ شَاةً.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَلَا يُجْزِئُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ آصُعٍ، إلَّا الْبُرَّ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، مُدٌّ مِنْ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، مَكَانَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يُجْزِئُ إلَّا نِصْفُ صَاعٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ فِيهِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ أَوْ الْقِيَاسِ، وَالْفَرْعُ يُمَاثِلُ أَصْلَهُ وَلَا يُخَالِفُهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.
[فَصْل حَلَقَ الْمُحْرِم مَرَّة ثُمَّ كَرَّرَ الْحَلْقَ]
(٢٦٤٦) فَصْلٌ: وَإِذَا حَلَقَ ثُمَّ حَلَقَ، فَالْوَاجِبُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، مَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ قَبْلَ فِعْلِ الثَّانِي، فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ حَلَقَ ثَانِيًا، فَعَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ ثُمَّ تَطَيَّبَ، أَوْ كَرَّرَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ اللَّاتِي لَا يَزِيدُ الْوَاجِبُ فِيهَا بِزِيَادَتِهَا، وَلَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، فَأَمَّا مَا يَتَقَدَّرُ الْوَاجِبُ بِقَدْرِهِ، وَهُوَ إتْلَافُ الصَّيْدِ، فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا جَزَاؤُهُ، وَسَوَاءٌ فَعَلَهُ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، وَلَا تَدَاخُلَ فِيهِ، فَفِعْلُ الْمَحْظُورَاتِ مُتَفَرِّقًا كَفِعْلِهَا مُجْتَمِعَةً فِي الْفِدْيَةِ، مَا لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ قَبْلَ فِعْلِ الثَّانِي.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إنْ كَرَّرَهُ لَأَسْبَابٍ، مِثْلُ أَنْ لَبِسَ لِلْبَرْدِ، ثُمَّ لَبِسَ لِلْحَرِّ، ثُمَّ لَبِسَ لِلْمَرَضِ، فَكَفَّارَاتٌ، وَإِنْ كَانَ لِسَبَبٍ وَاحِدٍ، فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الْأَثْرَمُ، فِي مَنْ لَبِسَ قَمِيصًا وَجُبَّةً وَعِمَامَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ، لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، قُلْت لَهُ: فَإِنْ اعْتَلَّ فَلَبِسَ جُبَّةً، ثُمَّ بَرِئَ، ثُمَّ اعْتَلَّ فَلَبِسَ جُبَّةً؟ فَقَالَ: هَذَا الْآنَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ.
وَعَنْ الشَّافِعِيّ كَقَوْلِنَا. وَعَنْهُ: لَا يَتَدَاخَلُ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَتَدَاخَلُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ دُونَ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَرَّرَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَفَّارَاتٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ حُكْمُ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
وَلَنَا، أَنَّ مَا يَتَدَاخَلُ إذَا كَانَ بَعْضُهُ عَقِيبَ بَعْضٍ يَجِبُ أَنْ يَتَدَاخَلَ، وَإِنْ تَفَرَّقَ كَالْحُدُودِ وَكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِدْيَةً وَاحِدَةً، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي دَفْعَةٍ أَوْ فِي دَفَعَاتٍ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَتَدَاخَلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute