للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَمَالٍ يَصِيرُ لِلْوَرَثَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمُعَيَّنٍ. وَلَنَا، أَنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ يَتَنَاوَلُ نَفْسَهُ أَوْ بَعْضَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الثُّلُثِ الشَّائِعِ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُ بِنَفْسِهِ تَصِحُّ وَيُعْتَقُ، وَمَا فَضَلَ يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا، فَيَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: اعْتِقُوا عَبْدِي مِنْ ثُلُثَيْ، وَأَعْطُوهُ مَا فَضَلَ مِنْهُ، وَفَارَقَ مَا إذَا أَوْصَى بِمُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْهُ. (٤٧٣٦) فَصْلٌ: فَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ، كَثَوْبٍ أَوْ دَارٍ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ. وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا تَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ: إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ أَجَازُوا، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا. وَلَنَا، أَنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، فَمَا وَصَّى بِهِ لَهُ فَهُوَ لَهُمْ، فَكَأَنَّهُ أَوْصَى لِوَرَثَتِهِ بِمَا يَرِثُونَهُ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَفَارَقَ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِمُشَاعِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.

(٤٧٣٧) فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِرَقَبَتِهِ، فَهُوَ تَدْبِيرٌ، يُعْتَقُ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمَنْ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى الدَّوَامِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ وَصَّى بِأَبِيهِ، وَلِأَنَّ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لَهُ بِرَقَبَتِهِ عِتْقُهُ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ، فَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ بِهِ كِنَايَةً عَنْ إعْتَاقِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِنْ أَوْصَى لَهُ بِبَعْضِ رَقَبَتِهِ، فَهُوَ تَدْبِيرٌ لِذَلِكَ الْجُزْءِ، وَهَلْ يُعْتَقُ جَمِيعُهُ إذَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، ذَكَرَهُمَا الْخِرَقِيِّ فِيمَا إذَا دَبَّرَ بَعْضَ عَبْدِهِ وَهُوَ مَالِكٌ لِكُلِّهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَسْعَى فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ. وَهَذَا شَيْءٌ يَأْتِي فِي بَابِ الْعِتْقِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ أَوْصَى لِمَكَاتِبِهِ أَوْ مَكَاتِب وَارِثِهِ أَوْ مَكَاتِب أَجْنَبِيٍّ]

(٤٧٣٨) فَصْلٌ: وَإِنْ وَصَّى لِمُكَاتَبِهِ، أَوْ مُكَاتَبِ وَارِثِهِ، أَوْ مُكَاتَبِ أَجْنَبِيٍّ، صَحَّ، سَوَاءٌ أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ أَوْ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ وَرَثَتَهُ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْمُكَاتَبَ، وَلَا يَمْلِكُونَ مَالَهُ. وَإِنْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ حِينَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَوْصَى لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ. وَبِهِ قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَإِنْ وَصَّى لِمُدَبَّرِهِ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا

<<  <  ج: ص:  >  >>