للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُخْتَلِفَيْ الدِّينِ، فَأَسْلَمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا. ذَكَرَ هَذَا طَلْحَةُ الْعَاقُولِيُّ. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ لَا يَرِثُ عَتِيقَهُ فِي حَيَاةِ عَبْدِهِ، كَمَا لَا يَرِثُ وَلَدَ عَبْدِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، ثُمَّ مَاتَ وَرِثَ السَّيِّدُ مَوْلَى عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْلَى مَوْلَاهُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ، وَلَهُ وَلَدٌ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ لِمَوْلَى أُمِّهِ يَجُرُّ وَلَاءَهُ، وَيَرِثُهُ سَيِّدُهُ إذَا مَاتَ أَبُوهُ.

[فَصْلٌ مَنْعُ عَبْدِهِ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالصِّيَامِ]

(٨٠٥٣) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُ عَبْدِهِ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالصِّيَامِ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ أَوْ الْحِنْثُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَسَوَاءٌ أَضَرَّ بِهِ الصِّيَامُ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ حَنِثَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَالصَّوْمُ يَضُرُّ بِهِ، فَلَهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيمَا أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ، مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَرَرٌ عَلَى السَّيِّدِ، فَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ وَتَحْلِيلُهُ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَنَا، أَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى، فَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، كَصِيَامِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ، وَيُفَارِقُ الْحَجَّ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ كَثِيرٌ؛ لِطُولِ مُدَّتِهِ، وَغَيْبَتِهِ عَنْ سَيِّدِهِ، وَتَفْوِيتِ خِدْمَتِهِ، وَلِهَذَا مَلَكَ تَحْلِيلَ زَوْجَتِهِ مِنْهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهَا صَوْمَ الْكَفَّارَةِ.

فَأَمَّا صَوْمُ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، فَلِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِهِ، لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْبُدُ رَبَّهُ بِمَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، فَأَشْبَهَ ذِكْرَ اللَّهِ - تَعَالَى، وَصَلَاةَ النَّافِلَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِ خِدْمَتِهِ، وَلِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْهُ فِي كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَيَمْنَعُهُ مِنْهُ.

[مَسْأَلَةٌ حَنِثَ وَهُوَ عَبْدٌ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى عَتَقَ]

(٨٠٥٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَنِثَ وَهُوَ عَبْدٌ فَلَمْ يُكَفِّرْ حَتَّى عَتَقَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالَةِ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ عَبْدٌ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ عَبْدٍ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُكَفَّرُ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ حَنِثَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ، فَإِنْ كَفَّرَ بِهِ أَجْزَأَهُ.

وَهَذَا مَنْصُوصٌ، عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَلَيْسَ عَلَى الْخِرَقِيِّ حُجَّةٌ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ لَهُ؛ لِقَوْلِهِ: إنَّمَا يُكَفِّرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. " وَإِنَّمَا " لِلْحَصْرِ، تُثْبِتُ الْمَذْكُورَ وَتَنْفِي مَا عَدَاهُ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا الصَّوْمُ، فَلَا يُكَفِّرُ بِغَيْرِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ، أَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ فِي رِقِّهِ، فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِحُرِّيَّتِهِ، كَالْحَدِّ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَمْ يَجُزْ فِيهِ لِلْعَبْدِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، فَلَهُ التَّكْفِيرُ هَاهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ فِي حَالِ رِقِّهِ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ، فَفِي حَالِ حُرِّيَّتِهِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ فِي حَالِ رِقِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِسَيِّدِهِ، أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِمَالِهِ، وَبَعْدَ الْحُرِّيَّةِ قَدْ زَالَ ذَلِكَ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إذْنِهِ.

وَإِنْ قُلْنَا: التَّكْفِيرُ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ. لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>