للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ فَأَفْطَرَ يَوْمًا بِغَيْرِ عُذْرٍ]

(٨٢٠٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ، فَأَفْطَرَ يَوْمًا بِغَيْرِ عُذْرٍ، ابْتَدَأَ شَهْرًا، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ، فَأَفْطَرَ فِي أَثْنَائِهِ، لَمْ يَخْلُ مِنْ حَالَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَقْطَعُ صَوْمَهُ، وَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهُ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ يَجِبُ مُتَتَابِعًا بِالنَّذْرِ، فَأَبْطَلَهُ الْفِطْرُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، كَمَا لَوْ شَرَطَ التَّتَابُعَ، وَفَارَقَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ تَتَابُعَهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالنَّذْرِ، وَهَا هُنَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى صِفَةٍ ثُمَّ فَوَّتَهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَهُ مُتَتَابِعًا.

الثَّانِيَةُ، لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ شَرَطَ التَّتَابُعَ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّتَابُعِ ضَرُورَةُ التَّعْيِينِ لَا بِالشَّرْطِ، فَلَمْ يُبْطِلْهُ الْفِطْرُ فِي أَثْنَائِهِ، كَشَهْرِ رَمَضَانَ، وَلِأَنَّ الِاسْتِئْنَافَ يَجْعَلُ الصَّوْمَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يُعَيِّنْهُ، وَالْوَفَاءَ بِنَذْرِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ، وَتَفْوِيتُ يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يُوجِبُ تَفْوِيتَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ. فَعَلَى هَذَا، يُكَفِّرُ عَنْ فِطْرِهِ، وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ بَعْدَ إتْمَامِ صَوْمِهِ. وَهَذَا أَقْيَسُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى.

وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ عَقِيبَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ؛ لِأَنَّ بَاقِيَ الشَّهْرِ مَنْذُورٌ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الصَّوْمِ فِيهِ، وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ أَيْضًا؛ لِإِخْلَالِهِ بِصَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَهُ. الْحَالُ الثَّانِي، أَفْطَرَ لِعُذْرٍ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهِ، وَيَقْضِي وَيُكَفِّرُ. هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَشْرُوعِ، وَلَوْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَلَنَا، أَنَّهُ فَاتَ مَا نَذَرَهُ، فَلَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُخْتِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: وَلْتُكَفِّرْ يَمِينَهَا. وَفَارَقَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إلَّا فِي الْجِمَاعِ (٨٢٠٨) فَصْلٌ: فَإِنْ جُنَّ جَمِيعَ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ.

وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ حَالَةَ نَذْرِهِ وَقَضَائِهِ، فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَإِنْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ جَمِيعَ الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، فَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ؛ وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، وَفِي الْقَضَاءِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَلْزَمُهَا النَّذْرُ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْحَيْضِ لَا يُمْكِنُ الصَّوْمُ فِيهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي النَّذْرِ، كَزَمَنِ رَمَضَانَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>