وَالْمُشْتَرِي، إذَا كَانَ عَقْدُهُمَا صَحِيحًا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ إذْنَهُمَا فِي تَسْلِيمِهِ إلَى مَنْ لَهُ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، جَرَى مَجْرَى قَبُولِهِ وَقَبْضِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْذَنْ وَإِنْ أَذِنَا فِي دَفْعِ ذَلِكَ عَنْهُمَا قَرْضًا، فَإِنَّ الرَّدَّ يَكُونُ عَلَيْهِمَا، وَالْمُقْرِضُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمَا بِعِوَضِهِ.
[فَصْلٌ قَالَ الْعَبْدُ لَرَجُلٍ ابْتَعْنِي مِنْ سَيِّدِي فَفَعَلَ فَبَانَ الْعَبْدُ مُعْتَقًا]
(٣١٩١) فَصْلٌ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لَرَجُلٍ: ابْتَعْنِي مِنْ سَيِّدِي. فَفَعَلَ، فَبَانَ الْعَبْدُ مُعْتَقًا، فَالضَّمَانُ عَلَى السَّيِّدِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ السَّيِّدُ حَاضِرًا حِينَ غَرَّهُ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْغَرُورَ مِنْهُ. وَلَنَا، أَنَّ السَّيِّدَ قَبَضَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَضَمِنَ الْعُهْدَةَ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا. وَإِنْ بَانَ الْعَبْدُ مَغْصُوبًا، أَوْ بِهِ عَيْبٌ، فَرَدَّهُ، فَالضَّمَانُ عَلَى السَّيِّدِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدًا فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَجَاءَ الْآخَرُ يَطْلُبُ نَصِيبَهُ مِنْهُ]
(٣١٩٢) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ عَبْدًا، فَغَابَ أَحَدُهُمَا، وَجَاءَ الْآخَرُ يَطْلُبُ نَصِيبَهُ مِنْهُ، فَلَهُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِتَسْلِيمِ نَصِيبِ الْغَائِبِ، وَلَيْسَ لَهُ تَسْلِيمُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ طَلَبَ حِصَّتَهُ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا. وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ. وَإِنْ قَالَ الْحَاضِرُ: أَنَا أَدْفَعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَيَدْفَعُ إلَى جَمِيعَ الْعَبْدِ. لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ ذَلِكَ. وَلَنَا، أَنَّ شَرِيكَهُ لَمْ يَأْذَنْ لِلْحَاضِرِ فِي قَبْضِ نَصِيبِهِ، وَلَا لِلْبَائِعِ فِي دَفْعِهِ إلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ. فَإِنْ سُلِّمَ إلَيْهِ، فَتَلِفَ الْعَبْدُ، فَلِلْغَائِبِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ فَرَّطَ بِدَفْعِ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَالشَّرِيكَ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ ضَمِنَ الشَّرِيكُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي يَدِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ ضَمِنَ الدَّافِعُ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ لِذَلِكَ. وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُ نَصِيبِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ إلَيْهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا هَاهُنَا.
[فَصْلٌ الْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ]
(٣١٩٣) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ. وَلِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، وَأَبْعَدُ مِنْ التَّجَاحُدِ، فَكَانَ أَوْلَى، وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا لَهُ خَطَرٌ، فَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْقَلِيلَةُ الْخَطَرِ، كَحَوَائِجِ الْبَقَّالِ، وَالْعَطَّارِ، وَشَبَهِهِمَا، فَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ فِيهَا تَكْثُرُ، فَيَشُقُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا، وَتَقْبُحُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا، وَالتَّرَافُعُ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ أَجْلِهَا، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ. وَلَيْسَ الْإِشْهَادُ بِوَاجِبٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا شَرْطًا لَهُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَإِسْحَاقَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ذَلِكَ فَرْضٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute