للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ غَيْرِ حَاضِرِيهِ، فِي الْمَوَاقِيتِ قَرِيبًا وَبَعِيدًا. وَاعْتِبَارُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَدَّ الْحَاضِرَ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، بِنَفْيِ أَحْكَامِ الْمُسَافِرِينَ عَنْهُ، فَالِاعْتِبَارُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الِاعْتِبَارِ بِالنُّسُكِ؛ لِوُجُودِ لَفْظِ الْحُضُورِ فِي الْآيَةِ.

[فَصْل إذَا كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ قَرْيَتَانِ قَرِيبَةٌ وَبَعِيدَةٌ فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ]

(٢٦٠٢) فَصْلٌ: إذَا كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ قَرْيَتَانِ؛ قَرِيبَةٌ، وَبَعِيدَةٌ، فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِهِ قَرِيبًا فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ الشَّرْطُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْقَرِيبَةِ، فَلَمْ يَكُنْ بِالتَّمَتُّعِ مُتَرَفِّهًا بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ حُكْمُ الْقَرْيَةِ الَّتِي يُقِيمُ بِهَا أَكْثَرِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَمِنْ الَّتِي مَالُهُ بِهَا أَكْثَرُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَمِنْ الَّتِي يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِهَا أَكْثَرَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا حُكِمَ لِلْقَرْيَةِ الَّتِي أَحْرَمَ مِنْهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلِيلَ لِمَا قُلْنَاهُ.

[فَصْل دَخَلَ الْآفَاقِيُّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا لِلْإِقَامَةِ بِهَا بَعْد تَمَتُّعِهِ]

(٢٦٠٣) فَصْلٌ: فَإِذَا دَخَلَ الْآفَاقِيُّ مَكَّةَ، مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا لِلْإِقَامَةِ بِهَا بَعْدَ تَمَتُّعِهِ، فَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مَنْشَؤُهُ وَمَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، فَخَرَجَ عَنْهَا مُتَنَقِّلًا مُقِيمًا بِغَيْرِهَا، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا لِلْإِقَامَةِ بِهَا، أَوْ غَيْرَ نَاوٍ لِذَلِكَ، فَعَلَيْهِ دَمُ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالِانْتِقَالِ عَنْهَا عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا. وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ حُضُورَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَفِعْلِهَا، وَهَذَا إنَّمَا نَوَى الْإِقَامَةَ إذَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ، فَهُوَ نَاوٍ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ، فَكَأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الدَّمُ.

فَأَمَّا إنْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ مُسَافِرًا غَيْرَ مُتَنَقِّلٍ، ثُمَّ عَادَ فَاعْتَمَرَ مِنْ الْمِيقَاتِ، أَوْ قَصَّرَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهَذَا السَّفَرِ عَنْ كَوْنِ أَهْلِهِ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. (٢٦٠٤) فَصْلٌ: وَهَذَا الشَّرْطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا؛ فَإِنَّ مُتْعَةَ الْمَكِّيِّ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَحَدُ الْأَنْسَاكِ الثَّلَاثَةِ، فَصَحَّ مِنْ الْمَكِّيِّ، كَالنُّسُكَيْنِ الْآخَرَيْنِ. وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ هُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجَّ، ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ. وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمَكِّيِّ.

وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ. وَمَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَمُ مُتْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُتْعَةَ لَهُ لَا عَلَيْهِ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

[فَصْل تَرَكَ الْآفَاقِيُّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ]

(٢٦٠٥) فَصْلٌ: إذَا تَرَكَ الْآفَاقِيُّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ، أَوْ أَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ حَلَّ مِنْهَا، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ مِنْ عَامِهِ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، عَلَيْهِ دَمَانِ؛ دَمُ الْمُتْعَةِ، وَدَمٌ لِإِحْرَامِهِ مِنْ دُونِ مِيقَاتِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>