فِي الِابْتِدَاءِ، سِيَّمَا إذَا كَانَتْ لِمَعْنًى يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الدَّوَامِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّفْرِيقِ، لَكَانَ اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِي الدَّوَامِ أَوْلَى، مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفِسْقَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ، فَقَدْ رَضِيَ بِهِ الْمُوصِي، مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ، وَأَوْصَى إلَيْهِ رَاضِيًا بِتَصَرُّفِهِ مَعَ فِسْقِهِ، فَيُشْعِرُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ الشَّفَقَةِ عَلَى الْيَتِيمِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّفْرِيطِ فِيهِ وَخِيَانَتِهِ فِي مَالِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَرَأَ الْفِسْقُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، وَالِاعْتِبَارُ بِرِضَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى إلَى وَاحِدٍ، جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ وَحْدَهُ، وَلَوْ وَصَّى إلَى اثْنَيْنِ، لَمْ يَجُزْ لِلْوَاحِدِ التَّصَرُّفُ.
[فَصْلٌ الْوَصِيَّةَ لَلْعَدْلُ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ النَّظَرِ لِعِلَّةِ أَوْ ضَعْفٍ]
(٤٧٧٧) فَصْلٌ: وَأَمَّا الْعَدْلُ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ النَّظَرِ، لِعِلَّةٍ أَوْ ضَعْفٍ، فَإِنْ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ إلَيْهِ، وَيَضُمُّ إلَيْهِ الْحَاكِمُ أَمِينًا، وَلَا يُزِيلُ يَدَهُ عَنْ الْمَالِ، وَلَا نَظَرَهُ؛ لِأَنَّ الضَّعِيفَ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ وَالْأَمَانَةِ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ. وَهَكَذَا إنْ كَانَ قَوِيًّا، فَحَدَثَ فِيهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ، ضَمَّ الْحَاكِمُ إلَيْهِ يَدًا أُخْرَى، وَيَكُون الْأَوَّلُ هُوَ الْوَصِيُّ دُونَ الثَّانِي، وَهَذَا مُعَاوِنٌ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيِّ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ. وَلَا أَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا.
[فَصْل تَغَيَّرَتْ حَالُ الْوَصِيِّ بِجُنُونِ أَوْ كُفْرٍ أَوْ سَفَهٍ]
(٤٧٧٨) فَصْلٌ: وَإِذَا تَغَيَّرَتْ حَالُ الْوَصِيِّ بِجُنُونٍ، أَوْ كُفْرٍ، أَوْ سَفَهٍ، زَالَتْ وِلَايَتُهُ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوصَ إلَيْهِ، وَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ، فَيُقِيمُ أَمِينًا نَاظِرًا لِلْمَيِّتِ فِي أَمْرِهِ وَأَمَرَ أَوْلَادَهُ مِنْ بَعْدِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُخْلِفْ وَصِيًّا. وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ، ثُمَّ عَادَ فَكَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ جَامِعًا لِشُرُوطِ الْوَصِيَّةِ، صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ مَوْجُودَةٌ حَالَ الْعَقْدِ وَالْمَوْتِ، فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَتَغَيَّرْ حَالُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْطُلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ حَالَةٍ مِنْهَا حَالَةٌ لِلْقَبُولِ وَالرَّدِّ، فَاعْتُبِرَتْ الشُّرُوطُ فِيهَا. فَأَمَّا إنْ زَالَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَانْعَزَلَ، ثُمَّ عَادَ، فَكَمَّلَ الشُّرُوطَ، لَمْ تَعُدْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهَا زَالَتْ، فَلَا تَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.
[فَصْلٌ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَرَدُّهَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي]
(٤٧٧٩) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَرَدُّهَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهَا إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَصَحَّ قَبُولُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، كَالتَّوْكِيلِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي وَقْتٍ، فَلَمْ يَصِحَّ الْقَبُولُ قَبْلَ الْوَقْتِ. وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَبُولِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ وَصِيَّةٍ، فَصَحَّ قَبُولُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، كَالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَمَتَى قَبِلَ صَارَ وَصِيًّا، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ، مَعَ الْقُدْرَة وَالْعَجْزِ، فِي حَيَاةِ الْمُوصِي وَبَعْدَ مَوْتِهِ، بِمَشْهَدٍ مِنْهُ وَفِي غَيْبَتِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِحَالٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَيَاتِهِ إلَّا بِحَضْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ ب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute