مُعَامَلَةً كَالْمُضَارَبَةِ، لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَكُونُ بِجُزْءٍ مِنْ النَّمَاءِ، لَا دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَخَذَ مَعْدِنًا مِنْ قَوْمٍ، عَلَى أَنْ يَعْمُرَهُ، وَيَعْمَلَ فِيهِ، وَيُعْطِيَهُمْ أَلْفَيْ مَنٍّ أَوْ أَلْفَ مَنٍّ صُفْرًا. فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَمْ يُرَخَّصْ فِيهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْفِرَ لَهُ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي دُورِ كَذَا بِدِينَارِ]
(٤٣٤٤) فَصْلٌ: إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْفِر لَهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ، فِي دُورِ كَذَا، بِدِينَارٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَعْلُومَةٌ. وَإِنْ ظَهَرَ عِرْقُ ذَهَبٍ، فَقَالَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتُخْرِجَهُ بِدِينَارٍ. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مَجْهُولٌ. وَإِنْ قَالَ: إنْ اسْتَخْرَجْته فَلَكَ دِينَارٌ. صَحَّ، وَيَكُونُ جَعَالَةً؛ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ تَصِحُّ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا.
[فَصْلٌ سَبَقَ فِي الْمَوَاتِ إلَى مَعْدِنٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ]
(٤٣٤٥) فَصْلٌ: وَمَنْ سَبَقَ فِي الْمَوَاتِ إلَى مَعْدِنٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُ مِنْهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ لَهُ» . فَإِنْ أَخَذَ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَأَرَادَ الْإِقَامَةَ فِيهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ غَيْرَهُ، مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَفَ فِي مَشْرَعَةِ الْمَاءِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. وَإِنْ أَطَالَ الْمُقَامَ وَالْأَخْذَ، احْتَمَلَ أَنْ يُمْنَعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ لَهُ. وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يُمْنَعَ؛ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَإِنْ اسْتَبَقَ إلَيْهِ اثْنَانِ، وَضَاقَ الْمَكَانُ عَنْهُمَا، أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسَمَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِيهِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ تَدَاعَيَا عَيْنًا فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا بِهَا
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدِّمَ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا رَابِعًا، وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ يَنْصِبُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُمَا، وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا. وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
[فَصْلٌ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنْ الْجَزَائِرِ لَمْ يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ]
(٤٣٤٦) فَصْلٌ: وَمَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنْ الْجَزَائِرِ، لَمْ يُمْلَكْ بِالْإِحْيَاءِ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى: إذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَةٍ إلَى فِنَاءِ رَجُلٍ لَمْ يَبْنِ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ. يَعْنِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا، رَجَعَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ. وَلِأَنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبِتُ الْكَلَأِ وَالْحَطَبِ، فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا حِمَى فِي الْأَرَاكِ» . وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ أَبَاحَ الْجَزَائِرَ
يَعْنِي أَبَاحَ مَا يَنْبُتُ فِي الْجَزَائِرِ مِنْ النَّبَاتِ، وَقَالَ: إذَا نَضَبَ الْفُرَاتُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ نَبَتَ فِيهِ نَبَاتٌ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَمَنَعَ النَّاسَ مِنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا إنْ غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى مِلْكِ إنْسَانٍ، ثُمَّ عَادَ فَنَضَبَ عَنْهُ، فَلَهُ أَخْذُهُ، فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute