كَمَا فِي السَّلَمِ. وَيَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ. وَأَمَّا الضَّمِينُ فَيُعْلَمُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ، أَوْ تَعْرِيفِهِ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَلَا يَصِحُّ بِالصِّفَةِ بِأَنْ يَقُولَ: رَجُلٌ غَنِيٌّ. مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَا تَأْتِي عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: بِشَرْطِ رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ. كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ، وَلَيْسَ لَهُ عُرْفٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بِإِطْلَاقِ. وَلَوْ قَالَ: بِشَرْطِ رَهْنِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ. أَوْ: يَضْمَنُنِي أَحَدُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ. فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ عَدَمِ التَّعْيِينِ، كَالْبَيْعِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ يَصِحُّ شَرْطُ الرَّهْنِ الْمَجْهُولِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ رَهْنًا بِقَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ، فَجَازَ شَرْطُهَا مُطْلَقًا، كَالشَّهَادَةِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ: عَلَى أَنْ أَرْهَنَك أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ. جَازَ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ عِنْدَهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ شَرَطَ رَهْنًا مَجْهُولًا، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ شَرَطَ رَهْنَ مَا فِي كُمِّهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْجَهْلِ، كَالْبَيْعِ، وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ، فَإِنْ لَهَا عُرْفًا فِي الشَّرْعِ حُمِلَتْ عَلَيْهِ، وَالْكَلَامُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ قَدْ مَضَى فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ وَفَّى بِالشَّرْطِ، فَسَلَّمَ الرَّهْنَ، أَوْ حَمَلَ عَنْهُ الْحَمِيلُ، لَزِمَ الْبَيْعُ، وَإِنْ أَبَى تَسْلِيمَ الرَّهْنِ، أَوْ أَبَى الْحَمِيلُ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ، فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَبَيْنَ إمْضَائِهِ وَالرِّضَا بِهِ بِلَا رَهْنٍ وَلَا حَمِيلٍ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ
وَقَالَ مَالِك وَأَبُو ثَوْرٍ: يَلْزَمُ الرَّهْنُ إذَا كَانَ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ. وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ وَجَدَهُ الْحَاكِمُ دَفَعَهُ إلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ وَقَعَ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْخِيَارَ
وَقَالَ الْقَاضِي: مَا عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَلْزَمُ فِيهِ الرَّهْنُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. وَلِأَنَّهُ رَهْنٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا فِي الْبَيْعِ، أَوْ كَغَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ الْخِيَارُ وَالْأَجَلُ بِالشَّرْطِ، لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْبَيْعِ، لَا يَنْفَرِدُ بِنَفْسِهِ، وَالرَّهْنُ عَقْدٌ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ التَّوَابِعِ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ وَالْأَجَلَ يَثْبُتُ بِالْقَوْلِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَسْلِيمٍ، فَاكْتُفِيَ فِي ثُبُوتِهِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ، بِخِلَافِ الرَّهْنِ. وَأَمَّا الضَّمِينُ، فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، إذْ لَا يَلْزَمُهُ شَغْلُ ذِمَّتِهِ وَأَدَاءُ دَيْنِ غَيْرِهِ بِاشْتِرَاطِ غَيْرِهِ
وَلَوْ وَعَدَهُ بِأَنَّهُ يَضْمَنُ، ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ، لَمْ يَلْزَمْ فِي الْحُكْمِ، كَمَا لَوْ وَعَدَهُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ، ثُمَّ أَبَى ذَلِكَ. وَمَتَى لَمْ يَفِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِشَرْطِهِ، كَانَ لَهُ الْفَسْخُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ صِفَةً فِي الثَّمَنِ، فَلَمْ يَفِ بِهَا، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَفِ بِمَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ، ثَبَتَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ، كَالْبَائِعِ إذَا شَرَطَ الْمَبِيعَ عَلَى صِفَةٍ، فَبَانَ بِخِلَافِهَا.
[فَصْلٌ شَرَطَ الْبَائِع رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا مُعَيَّنًا فَجَاءَ بِغَيْرِهِمَا]
(٣٣٥٦) فَصْلٌ: وَلَوْ شَرَطَ رَهْنًا، أَوْ ضَمِينًا مُعَيَّنًا، فَجَاءَ بِغَيْرِهِمَا، لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ مَا أَتَى بِهِ خَيْرًا مِنْ الْمَشْرُوطِ، مِثْلُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الْمَشْرُوطِ، وَحَمِيلٍ أَوْثَقَ مِنْ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى مُعَيَّنٍ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُ غَيْرِهِ، كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِالْأَعْيَانِ، فَمِنْهَا مَا يَسْهُلُ بَيْعُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute