وَإِذَا اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ، بِعَرْضٍ لِلْقُنْيَةِ، جَرَى فِي حَوْلِ الزَّكَاةِ مِنْ حِينِ اشْتَرَاهُ.
[فَصْلُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ قِيمَةِ الْعُرُوضِ دُونَ عَيْنِهَا]
(١٩١٦) فَصْلٌ: وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنْ قِيمَةِ الْعُرُوضِ دُونَ عَيْنِهَا. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ فِي آخَرَ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِخْرَاجِ مِنْ قِيمَتِهَا، وَبَيْنَ الْإِخْرَاجِ مِنْ عَيْنِهَا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. لِأَنَّهَا مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَجَازَ إخْرَاجُهَا مِنْ عَيْنِهِ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. وَلَنَا أَنَّ النِّصَابَ مُعْتَبَرٌ بِالْقِيمَةِ؛ فَكَانَتْ الزَّكَاةُ مِنْهَا كَالْعَيْنِ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الْمَالِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي قِيمَتِهِ.
[فَصْلُ لَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ]
فَصْلٌ: وَلَا يَصِيرُ الْعَرْضُ لِلتِّجَارَةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا أَنْ يَمْلِكَهُ بِفِعْلِهِ، كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْخُلْعِ، وَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْغَنِيمَةِ، وَاكْتِسَابِ الْمُبَاحَاتِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الزَّكَاةِ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كَالصَّوْمِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمْلِكَهُ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ. ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ، أَشْبَهَ الْمَوْرُوثَ. وَالثَّانِي، أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ أَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ أَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ نَوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَإِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ، وَقَصَدَ أَنَّهُ لِلتِّجَارَةِ، لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْقُنْيَةُ، وَالتِّجَارَةُ عَارِضٌ، فَلَمْ يَصِرْ إلَيْهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ نَوَى الْحَاضِرُ السَّفَرَ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ السَّفَرِ بِدُونِ الْفِعْلِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ الْعَرْضَ يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ «لِقَوْلِ سَمُرَةَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِمَّا نُعِدُّ لِلْبَيْعِ.» ، فَعَلَى هَذَا لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَمْلِكَهُ بِفِعْلِهِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٌ، بَلْ مَتَى نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ صَارَ لِلتِّجَارَةِ.
[مَسْأَلَةُ لَا يَعْتَبِرُ الْحَوْلُ وَلَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَالُ نِصَابًا]
(١٩١٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ كَانَتْ لَهُ سِلْعَةٌ لِلتِّجَارَةِ، وَلَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا، وَقِيمَتُهَا دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، مِنْ يَوْمِ سَاوَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ، وَلَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا، فَلَوْ مَلَكَ سِلْعَةً قِيمَتُهَا دُونَ النِّصَابِ، فَمَضَى نِصْفُ الْحَوْلِ وَهِيَ كَذَلِكَ، ثُمَّ زَادَتْ قِيمَةُ النَّمَاءِ بِهَا أَوْ تَغَيَّرَتْ الْأَسْعَارِ فَبَلَغَتْ نِصَابًا، أَوْ بَاعَهَا بِنِصَابٍ، أَوْ مَلَكَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ عَرْضًا آخَرَ، أَوْ أَثْمَانًا تَمَّ بِهَا النِّصَابُ، ابْتَدَأَ الْحَوْلَ مِنْ حِينَئِذٍ فَلَا يَحْتَسِبُ بِمَا مَضَى. وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَلَوْ مَلَكَ لِلتِّجَارَةِ نِصَابًا، فَنَقَصَ عَنْ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، ثُمَّ زَادَ حَتَّى بَلَغَ نِصَابًا، اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ انْقَطَعَ بِنَقْصِهِ فِي أَثْنَائِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى مَا دُونَ النِّصَابِ، فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِهِ نِصَابًا زَكَّاهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُعْتَبَرُ فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ دُونَ وَسَطِهِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute