قَذْفَهُ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ عَلَيْهِ، لَمَا وَجَبَ الْحَدُّ بِمَظِنَّتِهِ، وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ، فَالْقِصَاصُ الْمُتَمَحَّضُ حَقُّ آدَمِيٍّ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ لَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَالْحَدُّ، لَأَفْضَى إلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ تَعَالَى، شَرِبَ مَا يُسْكِرُهُ، ثُمَّ يَقْتُلُ وَيَزْنِي وَيَسْرِقُ، وَلَا يَلْزَمُهُ عُقُوبَةٌ وَلَا مَأْثَمٌ، وَيَصِيرُ عِصْيَانُهُ سَبَبًا لِسُقُوطِ عُقُوبَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَنْهُ، وَلَا وَجْهَ لِهَذَا. وَفَارَقَ هَذَا الطَّلَاقَ، وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ. فَأَمَّا إنْ شَرِبَ أَوْ أَكَلَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ غَيْرَ الْخَمْرِ، عَلَى وَجْهٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، بِحَيْثُ صَارَ مَجْنُونًا، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَزُولُ قَرِيبًا وَيَعُودُ مِنْ غَيْرِ تَدَاوٍ، فَهُوَ كَالسُّكْرِ، عَلَى مَا فُصِّلَ فِيهِ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ فِي الْقِصَاصِ]
(٦٦٢١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْأَبَ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ، وَالْجَدُّ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِ وَلَدِهِ، وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَلَدُ الْبَنِينَ أَوْ وَلَدُ الْبَنَاتِ. وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّ الْوَالِدَ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ، عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يُقْتَلُ بِهِ؛ لِظَاهِرِ آيِ الْكِتَابِ، وَالْأَخْبَارِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ، وَلِأَنَّهُمَا حُرَّانِ مُسْلِمَانِ مِنْ أَهْلِ الْقِصَاصِ فَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ، كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَدْ رَوَوْا فِي هَذَا الْبَابِ أَخْبَارًا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ قَتَلَهُ حَذْفًا بِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَإِنْ ذَبَحَهُ، أَوْ قَتَلَهُ قَتْلًا لَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ عَمَدَ إلَى قَتْلِهِ دُونَ تَأْدِيبِهِ، أُقِيدَ بِهِ. وَلَنَا، مَا رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ» . أَخْرَجَ النَّسَائِيّ حَدِيثَ عُمَرَ، وَرَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ، وَذَكَرَهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، مُسْتَفِيضٌ عِنْدَهُمْ، يَسْتَغْنِي بِشُهْرَتِهِ وَقَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ عَنْ الْإِسْنَادِ فِيهِ، حَتَّى يَكُونَ الْإِسْنَادُ فِي مِثْلِهِ مَعَ شُهْرَتِهِ تَكَلُّفًا. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . وَقَضِيَّةُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ تَمْلِيكُهُ إيَّاهُ، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَةُ الْمِلْكِيَّةِ، بَقِيَتْ الْإِضَافَةُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلِأَنَّهُ سَبَبُ إيجَادِهِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَلَّطَ بِسَبَبِهِ عَلَى إعْدَامِهِ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ يَخُصُّ الْعُمُومَاتِ، وَيُفَارِقُ الْأَبُ سَائِرَ النَّاسِ، فَإِنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا بِالْحَذْفِ بِالسَّيْفِ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ، وَالْأَبُ بِخِلَافِهِ. (٦٦٢٢) فَصْلٌ: وَالْجَدُّ وَإِنْ عَلَا كَالْأَبِ فِي هَذَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ مُسْقِطِي الْقِصَاصِ عَنْ الْأَبِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيِّ: يُقْتَلُ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute