أَحَدِهِمَا، أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ، فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَائِمَةٌ لَمْ يَزُلْ اسْمُهَا، وَلَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا وَلَا اتَّصَلَتْ بِغَيْرِهَا، فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، كَمَا لَوْ عَلَّمَ الْعَبْدَ صِنَاعَةً لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ بِهَا. وَسَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ تَنْقُصْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النَّقْصَ نَقْصُ صِفَةٍ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، كَنِسْيَانِ صِنَاعَةٍ، وَهُزَالِ الْعَبْدِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مَعَ الرُّجُوعِ
الثَّانِي، أَنْ تَزِيدَ قِيمَتُهُ بِذَلِكَ، فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ زَادَ زِيَادَةً لَا تَتَمَيَّزُ فَلَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ الرُّجُوعَ فِيهِ، كَمَا لَوْ سَمِنَ الْعَبْدُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْنَ مَالِهِ مُتَمَيِّزَةً عَنْ غَيْرِهَا، فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ، كَبَائِعِ الصِّبْغِ إذَا صَبَغَ بِهِ، وَالزَّيْتِ إذَا لَتّ بِهِ سَوِيقٌ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، وَلِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ اسْمُهَا وَلَا ذَهَبَتْ عَيْنُهَا، فَمَلَكَ الرُّجُوعَ فِيهَا، كَمَا لَوْ صَبَغَهَا
فَعَلَى قَوْلِهِمْ إنْ كَانَتْ الْقُصَارَةُ بِعَمَلِ الْمُفْلِسِ، أَوْ بِأُجْرَةٍ وَفَّاهَا، فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي الثَّوْبِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةً، فَصَارَ يُسَاوِي سِتَّةً، فَلِلْمُفْلِسِ سُدُسُهُ، وَلِبَائِعِهِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْبَائِعُ دَفْعَ قِيمَةِ الزِّيَادَةِ إلَى الْمُفْلِسِ، لَزِمَهُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ الشَّفِيعُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ إلَى الْمُشْتَرِي. وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ بِيعَ الثَّوْبُ، وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ حَقِّهِ. وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ صَانِعٍ لَمْ يَسْتَوْفِ أَجْرَهُ، فَلَهُ حَبْسُ الثَّوْبِ عَلَى اسْتِيفَاءِ أَجْرِهِ
فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ الْأَجْرِ، دُفِعَتْ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ، فَلَهُ حَبْسُ الثَّوْبِ عَلَى اسْتِيفَاءِ قَدْرِ الزِّيَادَةِ، وَيَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ، مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ دِرْهَمَيْنِ، وَالْآخَرُ دِرْهَمٌ، فَلَهُ قَدْرُ أَجْرِهِ، وَمَا فَضَلَ لِلْغُرَمَاءِ.
[فَصْلٌ الْمَبِيعُ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً]
(٣٤٢٢) فَصْلٌ: الشَّرْطُ الثَّانِي، أَنْ لَا يَكُونَ الْمَبِيعُ زَادَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، كَالسِّمَنِ، وَالْكِبَرِ، وَتَعَلُّمِ الصِّنَاعَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ أَوْ الْقُرْآنِ.
وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي هَذَا، فَذَهَبَ الْخِرَقِيِّ إلَى أَنَّهَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَرَوَى الْمَيْمُونِي، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا يُخَيِّرُ الْغُرَمَاءَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوهُ السِّلْعَةَ أَوْ ثَمَنِهَا الَّذِي بَاعَهَا بِهِ. وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ، وَبِأَنَّهُ فَسْخٌ لَا تَمْنَعُ مِنْهُ الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ، فَلَا تَمْنَعُهُ الْمُتَّصِلَةُ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفَارَقَ الطَّلَاقَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِي قِيمَةِ الْعَيْنِ، فَيَصِلُ إلَى حَقِّهِ تَامًّا. وَهَاهُنَا لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِي الثَّمَنِ
وَلَنَا، أَنَّهُ فَسْخٌ بِسَبَبٍ حَادِثٍ، فَلَمْ يَمْلِكْ بِهِ الرُّجُوعَ فِي عَيْنِ الْمَالِ الزَّائِدَةِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، كَفَسْخِ النِّكَاحِ بِالْإِعْسَارِ أَوْ الرَّضَاعِ، وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْبَائِعُ أَخْذَهَا، كَالْمُنْفَصِلَةِ، وَكَالْحَاصِلَةِ بِفِعْلِهِ، وَلِأَنَّ النَّمَاءَ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْ الْبَائِعِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ مِنْهُ، كَغَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِهِ، وَفَارَقَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ لِوَجْهَيْنِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute