غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا زَوَّجَ الصَّغِيرَيْنِ غَيْرُ الْأَبِ، فَلَهُمَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَا. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] .
فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ، فَلَهُ تَزْوِيجُ الْيَتِيمَةِ، وَالْيَتِيمُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» . قَالَ عُرْوَةُ: سَأَلْت عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: ٣] . فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا، فَيُشْرِكُهَا فِي مَالِهَا، وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إلَّا أَنْ يُقْسِطُوا فِيهِنَّ، وَيَبْلُغُوا أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ وَلِيٌّ فِي النِّكَاحِ، فَمَلَكَ التَّزْوِيجَ كَالْأَبِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا، وَإِنْ أَبَتْ، فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ.
وَرُوِيَ ابْنُ عُمَرَ، «أَنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ زَوَّجَ ابْنَ عُمَرَ ابْنَةَ أَخِيهِ عُثْمَانَ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّهَا يَتِيمَةٌ، وَلَا تُنْكَحُ إلَّا بِإِذْنِهَا» . وَالْيَتِيمَةُ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي مَاتَ أَبُوهَا. وَلِأَنَّ غَيْرَ الْأَبِ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ، فَلَا يَلِي نِكَاحَ الصَّغِيرَةِ، كَالْأَجْنَبِيِّ، وَغَيْرُ الْجَدِّ لَا يَلِي مَالَهَا، فَلَا يَسْتَبِدُّ بِنِكَاحِهَا، كَالْأَجْنَبِيِّ. وَلِأَنَّ الْجَدَّ يُدْلِي بِوِلَايَةِ غَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْعَصَبَاتِ، وَفَارَقَ الْأَبَ، فَإِنَّهُ يُدْلِي بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَيُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْجَدَّ، وَيَحْجُبُ الْأُمَّ عَنْ ثُلُثِ الْمَالِ إلَى ثُلُثِ الْبَاقِي فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ. وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْبَالِغَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} [النساء: ١٢٧] . وَإِنَّمَا يُدْفَعُ إلَى الْكَبِيرَةِ، أَوْ نَحْمِلُهَا عَلَى بِنْتِ تِسْعٍ.
[فَصْلٌ الْحُكْمِ إذَا بَلَغْت الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فِي إذْنهَا فِي النِّكَاح]
(٥٢٠٢) فَصْلٌ: وَإِذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، أَنَّهَا كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ. قَالُوا: حُكْمُ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ، حُكْمُ بِنْتِ ثَمَانٍ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ بَالِغَةٍ، وَلِأَنَّ إذْنَهَا لَا يُعْتَبَرُ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، فَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْبَالِغَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ؛ لِمَفْهُومِ الْآيَةِ، وَدَلَالَةِ الْخَبَرِ بِعُمُومِهَا، عَلَى أَنَّ الْيَتِيمَةَ تُنْكَحُ بِإِذْنِهَا، وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا، وَقَدْ انْتَفَى بِهِ الْإِذْنُ فِي مَنْ دُونَهَا، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ بَلَغَتْ تِسْعًا. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute