للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ اشْتَرَى الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ شَيْئًا بِإِذْنِهِ]

(٣٨٠٣) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ شَيْئًا بِإِذْنِهِ، انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْ الْبَائِعِ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْوَكِيلِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَكِيلِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْمُوَكِّلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ قَبِلَ عَقْدًا لَغَيْرِهِ صَحَّ لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ، كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ، وَكَمَا لَوْ تَزَوَّجَ لَهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ. غَيْرُ مُسَلَّمٍ

وَيَتَفَرَّعُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ وَكَّلَ ذِمِّيًّا فِي شِرَاءِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، فَاشْتَرَاهُ لَهُ، لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ، وَيَقَعُ لِلذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ يَتَمَوَّلُونَهَا وَيَتَبَايَعُونَهَا، فَصَحَّ تَوْكِيلُهُمْ فِيهَا كَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ. وَلَنَا، أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، كَتَزْوِيجِ الْمَجُوسِيَّةِ. وَبِهَذَا خَالَفَ سَائِرَ أَمْوَالِهِمْ. وَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ، ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ، فَلِلْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ.

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ الْمُطَالَبَةُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَهُ، وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ مَجْلِسُ الصَّرْفِ وَالْخِيَارِ بِهِ دُونَ مُوَكِّلِهِ، فَكَذَلِكَ الْقَبْضُ.

وَلَنَا، أَنَّ هَذَا دَيْنٌ لِلْمُوَكِّلِ يَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ، فَمَلَكَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، كَسَائِرِ دُيُونِهِ الَّتِي وَكَّلَ فِيهَا، وَيُفَارِقُ مَجْلِسَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْعَقْدِ، فَتَعَلَّقَ بِالْعَاقِدِ، كَالْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ. وَأَمَّا الثَّمَنُ فَهُوَ حَقٌّ لِلْمُوَكِّلِ وَمَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِ، فَكَانَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ، وَهِيَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ، وَقَبْضُ الْمَبِيعِ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَضَمَانُ الدَّرْك. فَأَمَّا ثَمَنُ مَا اشْتَرَاهُ إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ أَصْلًا، وَفِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ تَبَعًا، كَالضَّامِنِ، وَلِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَبْرَأَ الْوَكِيلَ لَمْ يَبْرَأْ الْمُوَكِّلُ، وَإِنْ أَبْرَأَ الْمُوَكِّلَ بَرِئَ الْوَكِيلُ أَيْضًا، كَالضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ عَنْهُ سَوَاءٌ.

وَإِنْ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ، فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَرَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ، كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ. إنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ الْمُوَكِّلِ. وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا يَتَسَلَّفُ لَهُ أَلْفًا فِي كُرِّ حِنْطَةٍ، فَفَعَلَ، مَلَكَ الْمُوَكِّلُ ثَمَنَهَا، وَالْوَكِيلُ ضَامِنٌ عَنْ مُوَكِّلِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ.

[فَصْلٌ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ فَفَعَلَ فَوَهَبَ لَهُ الْمُشْتَرِي مَنْدِيلًا]

(٣٨٠٤) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ، فَفَعَلَ، فَوَهَبَ لَهُ الْمُشْتَرِي مَنْدِيلًا، فَالْمِنْدِيلُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ. إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ هِبَةَ الْمِنْدِيلِ سَبَبُهَا الْبَيْعُ، فَكَانَ الْمِنْدِيلُ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ، وَالزِّيَادَةُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ تَلْحَقُ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>