للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا لَا تَدْخُلُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا تَنَاوَلَهَا. وَالثَّانِي: تَدْخُلُ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْي؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ الْمُرْضِعَةَ تَحْضُنُ الصَّبِيَّ، فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ

وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ، كَهَذَيْنِ. وَالْحَضَانَةُ: تَرْبِيَةُ الصَّبِيِّ، وَحِفْظُهُ، وَجَعْلُهُ فِي سَرِيرِهِ، وَرَبْطُهُ، وَدَهْنُهُ، وَكَحْلُهُ، وَتَنْظِيفُهُ، وَغَسْلُ خِرَقِهِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْحِضْنِ، وَهُوَ مَا تَحْتَ الْإِبْطِ وَمَا يَلِيهِ. وَسُمِّيَتْ التَّرْبِيَةُ حَضَانَةً تَجَوُّزًا، مِنْ حَضَانَةِ الظِّئْرِ لِبَيْضِهِ وَفِرَاخِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهِ، فَسُمِّيَتْ تَرْبِيَةُ الصَّبِيِّ بِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ فِعْلِ الطَّائِرِ. (٤٢٤٠) فَصْلٌ: وَيُشْتَرَطُ لِهَذَا الْعَقْدِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الرَّضَاعِ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ إلَّا بِهَا، فَإِنَّ السَّقْيَ وَالْعَمَلَ فِيهَا يَخْتَلِفُ

الثَّانِي مَعْرِفَةُ الصَّبِيِّ بِالْمُشَاهَدَةِ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّبِيِّ، فِي كِبَرِهِ وَصِغَرِهِ، وَنَهْمَتِهِ وَقَنَاعَتِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُعْرَفُ بِالصِّفَةِ، كَالرَّاكِبِ. الثَّالِثُ، مَوْضِعُ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، فَيَشُقُّ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهِ، وَيَسْهُلُ عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا. الرَّابِعُ، مَعْرِفَةُ الْعِوَضِ، وَكَوْنُهُ مَعْلُومًا، كَمَا سَبَقَ.

[فَصْلٌ الْمَعْقُود عَلَيْهِ فِي الرَّضَاعِ]

(٤٢٤١) فَصْلٌ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الرَّضَاعِ، فَقِيلَ: هُوَ خِدْمَةُ الصَّبِيِّ وَحَمْلُهُ وَوَضْعُ الثَّدْيِ فِي فَمِهِ وَاللَّبَنُ تَبَعٌ، كَالصِّبْغِ فِي إجَارَةِ الصَّبَّاغِ، وَمَاءِ الْبِئْرِ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ عَيْنٌ مِنْ الْأَعْيَانِ، فَلَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ، كَلَبَنِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَقِيلَ: هُوَ اللَّبَنُ. قَالَ الْقَاضِي: هُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ دُونَ الْخِدْمَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ دُونَ أَنْ تَخْدُمَهُ، اسْتَحَقَّتْ الْأُجْرَةَ، وَلَوْ خَدَمَتْهُ بِدُونِ الرَّضَاعِ، لَمْ تَسْتَحِقّ شَيْئًا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦]

فَجَعَلَ الْأَجْرَ مُرَتَّبًا عَلَى الْإِرْضَاعِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْعَقْدَ لَوْ كَانَ عَلَى الْخِدْمَةِ، لَمَا لَزِمَهَا سَقْيُهُ لَبَنَهَا. وَأَمَّا كَوْنُهُ عَيْنًا، فَإِنَّمَا جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ رُخْصَةً؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَالضَّرُورَةُ تَدْعُو إلَى اسْتِيفَائِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا فِي الْآدَمِيِّينَ دُونَ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، لِلضَّرُورَةِ إلَى حِفْظِ الْآدَمِيِّ، وَالْحَاجَةِ إلَى إبْقَائِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>