وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ إلَّا مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّ الْمَيِّتَ لَا فِعْلَ لَهُ، فَأُمِرْنَا بِغُسْلِهِ لِنُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَمَنْ لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ غُسْلُهُ، كَالْحَيِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الشُّهَدَاءَ فِي الْمَعْرَكَةِ يَكْثُرُونَ، فَيَشُقُّ غُسْلُهُمْ، وَرُبَّمَا يَكُونُ فِيهِمْ الْجِرَاحُ فَيَتَضَرَّرُونَ، فَعُفِيَ عَنْ غُسْلِهِمْ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا سُقُوطُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عِلَّتُهُ كَوْنَهُمْ أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَالصَّلَاةُ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْمَوْتَى. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ لِغِنَاهُمْ عَنْ الشَّفَاعَةِ لَهُمْ، فَإِنَّ الشَّهِيدَ يُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَفِيعٍ، وَالصَّلَاةُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلشَّفَاعَةِ.
[فَصْلٌ كَانَ الشَّهِيدُ جُنُبًا]
(١٦٢٩) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الشَّهِيدُ جُنُبًا غُسِّلَ، وَحُكْمُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهَدَاءِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُغَسَّلُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ «أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا شَأْنُ حَنْظَلَةَ؟ فَإِنِّي رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ. فَقَالُوا: إنَّهُ جَامَعَ، ثُمَّ سَمِعَ الْهَيْعَةَ فَخَرَجَ إلَى الْقِتَالِ.» رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، فِي " الْمَغَازِي ".
وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ وَاجِبٌ لِغَيْرِ الْمَوْتِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ. وَحَدِيثُهُمْ لَا عُمُومَ لَهُ، فَإِنَّهُ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ وَرَدَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ، وَحَدِيثُنَا خَاصٌّ فِي حَنْظَلَةَ، وَهُوَ مِنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَنْ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الْمَوْتِ، كَالْمَرْأَةِ تَطْهُرُ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، ثُمَّ تُقْتَلُ، فَهِيَ كَالْجُنُبِ؛ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. وَلَوْ قُتِلَتْ فِي حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا، لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ شَرْطٌ فِي الْغُسْلِ، أَوْ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِهِ.
فَأَمَّا إنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ اُسْتُشْهِدَ، فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أُصَيْرِمَ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَسْلَمَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ قُتِلَ، فَلَمْ يُؤْمَرْ بِغُسْلِهِ.
[فَصْل الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي غَسَلَ الشَّهِيد]
(١٦٣٠) فَصْلٌ: وَالْبَالِغُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ لِغَيْرِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute